بقلم : علي أبو الريش
منذ الزمن الذاهب في العمق حتى المكان الساكن في الحدق، فالإمارات المتسامحة هي العلامة المميزة لهذا البلد، وهي السمة والصفة والسجية وفطرة الدم ونبرة البوح..
في الإمارات وجوه من شرق الأرض وغربها والابتسامة شرشف العلاقة الممتدة من الوريد حتى الوريد..
هنا، على هذه الأرض تبدو العيون قناديل، والقلوب مواويل والأرواح أجنحة تظلل الأرض، وتجلل الانتماء بالرسوخ والشموخ.. هنا في الإمارات الناس أجناس من فيض الحب ومن نبع الأشواق الموشومة بالأحلام الوردية، وعندما تمر في شارع أو تدخل محلاً تجارياً عملاقاً، الأكتاف تصافح برودة الفراغ في زمن الصيف بدفء، وفي الشتاء تبدو الرموش سحابات تكلل المكان بنعومة النث وفصاحة البث وطراوة المشاعر.
هنا في الإمارات لأن التسامح منغمس في الشريان والكيان، فإن العلاقة بين البشر أشبه باصطفاف الأهداب على جفنين ناعسين وعينين نجلاوين، وما أجمل قصيدة التضاريس وهي تتقفى أثر الذين أبدعوا الحلم، وبرعوا في بناء الصرح كأنه النخلة الباسقة تنعم برخاء العناقيد الندية.
هنا في الإمارات تستقي القلوب سماحتها من نهر الإرث القويم والنهج المستقيم والبدايات التي أسست لقيم لا تمحو أثرها الأمواج، ولا تعكر صفوها الأيام لأنها قيم الذين سكنوا القمم ومبادئ الذين تمتعوا بأجمل الشيم ورؤية الذين ذهبوا بالأحلام إلى حيث تسكن الهمم.
في الإمارات تمد السواحل شراعاً أبيض السريرة، وتمتد اليابسة باتجاه أفق لا يصمت بوحه عن التغريد من أجل عالم يسترخي على سجادة السلام ويتكئ على أريكة الوئام، ويمضي بأمنياته نحو آفاق مبعثها الأشواق، ويرسم حدودها العشاق الذين ما فتئوا أن يضمخوا نفوسهم بعطر الحب وبخور الإرث العظيم.
في الإمارات نبتت شجرة السعادة على تربة التسامح، فبسقت وتسامقت وعلت وارتفعت وأثمرت وأثرت وأعطت بسخاء ووفاء من دون تردد لأن من طوية العشاق أنهم كالوردة تعطي من دون شروط، فتنثر عطرها لكي يعبق الوجود بالموجود، ولا فرق بين كثيب أو نجود، لأن الحب هو هكذا سمته السيولة، والاندماج في الكل ليصبح الجزء كلاً، والكل وعاء أبيض ناصعاً، صفته النقاء والصفاء.. هذه هي الإمارات في وعيها في اللاشعور الجمعي يكمن التسامح كما يكمن حب الوطن، ومن الأثر الطيب ترتوي بساتين الشعور الإنساني لتتشابك الأغصان، وتصير بساتين العالم شجرة واحدة بحجم الكون.