بقلم : علي أبو الريش
بقدر ما احترمنا الفنان علي عبد الستار، بقدر ما أصبنا بخيبة الأمل في غانم السليطي، الذي خرج عن النص كثيراً، وخلط ما بين العفاف الفني، والإسفاف والهزلية، التي لا يقترب منها إلا الأشخاص الذين اعتبروا الفن قارباً هرماً، يعبرون به محيطات المجهول. التقيت مع السليطي في الرياض العام الماضي، وأول سؤال سألته، قلت: لماذا كل هذا الغياب عن الساحة الفنية؟ فمد بوزه، وقد حواجبه، وقال بلغة برمة، إنه لا يريد أن يشارك الآخرين في المهزلة الفنية التي يمارسها البعض. في حقيقة الأمر احترمت هذا الرجل، واعتقدت أنه لا يزال في زماننا مَن يحترم الفن، ولكن بعد المشاهد المزرية والمخزية التي شاهدناها، والسليطي هو بطلها، أصبت بالإحباط، ورجعت بالذاكرة إلى كلامه السابق، وفهمت أن هذا الرجل ممثل بامتياز، وأراجوز حقيقي، يفهم كيف يلعب على الحبال، وكيف يقفز من شجرة إلى شجرة بخفة الكائنات سريعة الحركة والمراوغة.
السليطي في كلامه الهزيل أخرج الفن من الفن، وأدخله في مستنقع الشجن والأحزان التاريخية المصطنعة، وخيالات كبار المشعوذين والمهرطقين والمهرولين، باتجاه اللامعقول، ليلامسوا قصاصات ورقية ظنوا أنها غيوم ممطرة. هذا الرجل ناقض نفسه كثيراً، وربما كان يكتب أفكار نصوصه المفبركة وهو تحت سطوة الضغط الحكومي، فتارة يسرد قصة انتمائه لدول مجلس التعاون، وما يجمعه بأهل الخليج من صلة القربى والدم، ثم يعود في مشاهد أخرى، ويتحدث بلغة ناقمة ومشحونة بالحقد والكراهية، وفي الحقيقة مثل هذه الازدواجية لا تبرز إلا لدى الأشخاص الذين يعانون من انفصام في الشخصية، وأحياناً أجد العذر للسليطي، لأن ما يحدث في قطر، تشيب له الولدان، وأن هذا الانحراف حاد الزاوية، أدى إلى تصادم أضلاع المثلث، وهي الحب والصدق والحرية. غانم السليطي، لأنانيته أوقع نفسه في شرك السياسات القطرية المرتبكة، والميكيافيلية الفجة، والقميئة.
سقوط غانم السليطي في هذا الجرف، يضعنا أمام مفترق طرق، ويكيل علينا الأسئلة، وهي ما الفن؟ يقول كانط: الفن في جوهره الإنتاج الحر للحياة، وهو نشاط حر لا يرمي إلى أية غاية سوى الجمال.
ولكن على ما يبدو أن السليطي يكره كانط، ويكره الفن، كما يكره نفسه، لأن من يكره الفن فإنه يكره الجمال، ومن يكره الجمال، هو كائن فقد حواسه الخمس، وأصبح في عتمة الفراغ، يبحث عن موقع في الحياة، ولكن الحياة لا تتحالف مع الحجر الأصم، لأنها في كينونتها، تجري جداول الحيوية، وعند ضفافها تنمو أعشاب الحب. عندما يكذب الإنسان فاعلم أنه شخص كاره، لأن الحب والكراهية خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا، والسليطي كذب كثيراً، وتوهم، وتجهم وتبرم، وختم مشواره الفني بفشل ذريع، سوف يكون المسافة الواسعة التي تفصله عن الفن الحقيقي الذي ادعى أنه يصبو إليه.