بقلم : علي أبو الريش
في الجلال والجمال تدور حكاية الوجدان الإنساني المؤسس على الذائقة والتعريف للمعاني، فهذا جلال البحر وهو يضفي عمقه ورسوخه على الكون، وأنت الإنسان الناظر بشفافية ترى في البحر جلالاً وكمالاً واعتدالاً وانثيالاً نحو الكون يروقك هذا المشهد، لكنه يخلق في داخلك رعشة، وكلما اقتربت وجدت نفسك في خضم الرعشات مثل موجة هاربة من عباءة البحر.
وهذا الجمال في الوردة التي تهفهف عند طرف خفي من عالم يبدو أنه يخوض معركة وجوده بعيداً عن ذائقة الوردة، لم تكن الوردة في يوم من الأيام بسعة البحر ولا بزرقته العميقة لكنها كانت تجلس بعيداً في زاوية من هذا الوجود ترسم لوحتها وتخبئ بين الصفحات عصر الزمن اللانهائي المنفتح على العالم من غير شروط، الوردة تحب بلا شروط وتنثر العطر بلا شروط وتبتسم بلا شروط، هذه الوردة نموذج للكائن الحي الذي تطهر منذ أزمنة غابرة من العهن والشجن، ومن الوهن والعفن، ها هي تمضي باتجاه عالم اختصر كل المسافات في الحياة برصاصة طائشة أو مفخخة حمقاء، أتت على الأخضر وبعثرت اليابس، نحن بحاجة إلى جمال الوردة لنلون وجه العالم بذائقة الحياة ونطرد القبيح من حياتنا.
نحن بحاجة إلى الوردة لأنها تسكن العالم من غير ضجيج ولا عجيج، لأنها تعطر العالم من دون دخان، ها هي الوردة نحن نحتاجها ليست في الحقول وزوايا المنازل، نحن نحتاجها في مفازة القلب، نحتاجها لا لنعطر معاطفنا وفساتين نسائنا، نحتاجها لنعبق أرواحنا ونطير في الفضاء متخففين من الرواسب والخرائب، نحن نحتاجها لأجل أن يصبح الكون خيمة واسعة سجادتها بلون الورد وزواياها بعطر الورد وسقفها برقة الورد وأحلام ساكنيها بشفافية الورد، من لا يعطر قلبه بعبير الورد يصبح خاويا وبلا معنى.
لأن الحياة من غير ورد هي كائن نافق تحلل جسده ديدان الجفوة والفجوة، نحن نحتاج إلى الوردة لأنها تمنحنا الحلم بالجمال وتعطينا الرائحة التي منها تتفتح مسام الوجود ويصبح جميلاً، وما البحر الجليل إلا خليل الزمن البشري، فمنذ أن انعطفت سفينة نوح باتجاه الانتخاب الطبيعي حتى صار للإنسان سمة العقل ومن العقل اكتسب جلاله وجماله، نحن والوردة والبحر مثلث التكوين، وبداية التلوين، وأصل التقنين، وكل ما فينا يمنحنا الصبابة والتعلق بالحياة، نحن والجمال والجلال ضد العدوان على الحياة، ضد استبداد الكارهين، ضد المغردين خارج محيط الدائرة الوجودية.. نحن والجمال والجلال انتقاء حقيقي للكائنات التي تستحق الحياة، تستحق أن تصعد ظهر السفينة لأجل حياة أنقى وأصفى وأتقى.. العاشقون وحدهم الذين يميزون ما بين الحب والكراهية.. والصحراء النبيلة أنجبت عشاقها فتلاقوا سوياً عند تضاريس الإمارات حتى أصبحت الإمارات داراً ومزاراً ومسباراً وخياراً للوردة والبحر، للإنسان الوجودي.
المصدر : الاتحاد