بقلم : علي أبو الريش
لا خوف ولا خشية من الأقوياء، لأنهم واثقون، راسخون، شامخون لا يحتاجون إلى فرد العضلات ولا إلى إثبات الوجود، لأن وجودهم واضح وصريح، وتؤكده هذه النجوم التي تحيط أفنيته، فالخوف كل الخوف من الضعفاء، لأنهم لا يملكون إلا الاستعراض والكذب والخداع لإثبات أنهم أقوياء أشداء لا يشق لهم غبار.
في كوريا الجنوبية هناك وهم القوة وخيال جناح يرسم صورة أكبر من حجم الكرة الأرضية، وقد قيل عن العراق إنه رابع أكبر جيش في العالم، ولما اشتد الوطيس رحى، مسمار الوغى، تهاوى كل شيء، وتلاشت القوة المزعومة وناخت الركاب، وهجعت الجياد، وبين عشية وضحى أصبح العراق، كالعهن المنفوش، واليوم بعض الدول الإقليمية تتباهى، وتتماهى، مع
الأقوياء، وتزعم أنها تملك ما لا يملكه سواها من دول العالم، فتحشد، وتسدد وتكبد وتبدد، وتعدد وتمدد، وتجدد المزاعم لترهب وتسهب في إزعاج الآخرين، وأصبحت كنافخ الكير، تنثر الشرار هنا وهناك ولا تبالي بشعبها المسكين المغلوب على أمره، والذي لا يبحث عن مجد ولا وجد، سوى أنه يريد أن يحصل على لقمة العيش الكريمة ولا يجدها، إلا مبددة في المفاعلات والمشاحنات والمشاغبات.
نقول لمن جن جنونه وانتعشت شجونه، وبدا مثل إنسان الغابة، يقفز من غصن إلى غصن بحثاً عن وجود لا يوجد إلا في خيال المنهمكين العصابية والذين استولى عليهم الطيش وانحطاط العقل، فمن الممكن أن تخربش كوريا خارج حدودها بصواريخها التي تشبه حشرة ضالة، ومن الممكن أن تزعج الجيران، ولكن هذه الصواريخ سوف ترتد إلى النحر لأن المريض لا يمكن أن يدخل في سباق المسافات الطويلة مع الأصحاء.. والأعور لا يمكن أن يرى مثل من يملك عينين صحيحتين.
. مسألة مقززة أن تجد من يتمترس خلف أشد الأسلحة الفتاكة، فالمسألة ليست الانغماس في الخيال، لأن من طوقهم الخيال بملاءات ممزقة تاهوا في غابة الكبرياء المزيفة، وضاعوا في غياهب الهذاءات والهلوسات.
الصين دولة عظمى وكانت هونج كونج محتلة من قِبل بريطانيا، واستطاعت أن تسترجعها بالعقل وبالشفافية الدبلوماسية المدعومة بالاقتصاد القوي، ولم تهدد يوماً بالصواريخ، ولم تتوعد أحداً، لأن العقل زينة الرجال وخزينة الأبطال، ومن لا يفكر بالعقل يعش أبد الدهر بين حفر العصبية.. والتهور والتضور والتدهور والاندثار تحت غبار معاركه الوهمية.
ولو فكرت الكثير من الدول التي تحكمها عصابات الموت وأصحاب النوايا المبطنة بالخبث بأن الحضارات لا تنمو بانغلاق العقل، وإنما بانفتاحه على العالم وتسامحه ومحبته والاقتراب من الآخر بعقول صافية مثل النهر وقلوب خضراء مثل الحقول الغناء.
. ولن يتخلص العالم من الحروب إلا إذا انهزم الفكر العدواني والنفس الأمارة بتدمير الآخر والاحتيال عليه والاعتداء على حقه الشرعي في الحياة الكريمة.