بقلم : علي أبو الريش
مأزق العقل العربي هو في الأساس مأزق أخلاقي عندما يفقد الإنسان أخلاقه لسوء التربية وانحطاط قيمه، فإنه يسيء التعامل مع البيئة المحيطة به، ومن ثم يسيء التعامل مع الآخر، أشد منظري الوجودية جان بول سارتر قال: «الآخرون هم الجحيم، لكننا لا نستطيع أن نعيش خارج هذا الجحيم»، وإذا كان هذا الفيلسوف المتشائم لم ينكر حاجته إلى الآخرين، فما بالنا بالإنسان العادي، إنه من دون الآخر قشة على ظهر موجة عارمة تطيح بها في مجاهيل المحيط، وهؤلاء المتطرفون الذين نصبوا أنفسهم قضاة وأمسكوا بالعصا الغليظة يهدمون ويرمون ويدمنون على البطش والافتراء بحجة واهية، نابعة من عقل فَقَدَ الصواب، منحرفاً باتجاه الخراب.
وفي حديثه مع رؤساء تحرير الصحف في بريطانيا وضع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أصبعه على الجرح حينما قال: «إن القيم والأخلاق والتربية طوق نجاة الأمة»، وهو الرجل الأكاديمي والمثقف الذي خبر الحياة من كتاب التاريخ الإنساني، الأمر الذي يجعلنا نقف كتفاً بكتف مع كل مجتهد يفكر في قضايا الأمة، ويضع الأسئلة واسعة الحدقات لأننا في أمسِّ الحاجة إلى مثل هذه الجهود المخلصة والمحبة والوفية التي يسهر أصحابها على البحث والتنقيب عن عين صافية ترفرف فيها الزعانف من غير رجفة أو خفة، نحن بحاجة إلى تكاتف الأيدي والأفكار لإنقاذ الأمة من صهر الانحراف والانجراف في غياهب الجهل ومستنقعات الزيف والهراء.
ما نطق به لسان سموه هو نبض الشارع، وهو بوح كل إنسان محب للإنسانية، عاشق للحياة، الكارهون هم وحدهم الذين يريدون أن يدفعوا العربة إلى جرف وادٍ سحيق، هم وحدهم دعاة العدمية والعبثية والاستخفاف بالمصير البشري، هم معززون بدوافع نفسية مريضة، مدعومون من قوى الشر في العالم، هذه القوى التي لا يهنأ لها خاطر إلا أن ترى الدماء تسيل من أجساد الأبرياء، والحضارة تتآكل مثلما تتآكل الجدران الخربة.
نعم نقول كما قال صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي نحن أفقه من المتطرف وأكثر منه تطبيقاً للدين، والدين براء منه لأنه يقف خارج الدائرة ليطل على العالم بعين غشاها القذى وبصيرة أعماها الحقد والكراهية.
المصدر : الاتحاد