بقلم : علي أبو الريش
تخيل أنك شخص محب فلن تسرق، ولن تقتل، ولن تعتدي على الآخر، ولن تخون.
الشخص المحب وردة تعطي كل الفراشات رحيقها من دون أن تطلب مقابلاً، لأنها هكذا خلقت لكي تعطي وتخلص، وتتفتح كي يرتشف الآخر من عذوبتها.
ما يحصل اليوم في العالم من كوارث بشرية، هو نتيجة لجفاف نهر العواطف، ولانحسار مطر الحب عن رمال العلاقة بين الإنسان والآخر.
كل ما يحصل من مبررات وحجج وذرائع ما هي إلا خيالات الكارهين الذين يملؤون أوعية العقل بحزمة من النفايات الأنوية، والتي خلت من أي سائل عذب اسمه الحب.
الحب وحده الجدير بخلاص العالم من الحروب بمختلف أشكالها ونوازعها ودوافعها، ولظاها وشظاها، نحن بحاجة إلى الحب أكثر من حاجتنا إلى كل الأيديولوجيات والتنظيرات والتأطيرات والمؤثرات الخارجية، والتي هي نتيجة مباشرة لجمرات الحقد والكراهية التي غزت العالم في غفلة من وعي الإنسان، وفهمه لأهمية أن يكون هو والآخر واحداً في الوجود في كل منسجم وملتحم، كما هي أعضاء الجسد، إذا اشتكى عضو منه تداعت له سائر الأعضاء بالتكاتف والتآلف، وتوظيف كل الإمكانيات ليصبح الجسد الكل معافى مشافى من الأمراض والعلل.
لم يوهن الجسد البشري إلا عندما شاحت سارية القلب بعيداً عن مرافئ الحقيقة، والحقيقة هي أن يحب الإنسان، وأن يغادر مناطق الكره كي لا تغرق سفينة العلاقة، وتلج في الأغوار السحيقة، ويغدو الإنسان مثل حشرة تائهة تطوح بها الريح في الفراغات المدلهمة.
نحن بحاجة إلى الحب أكثر من حاجتنا إلى حروز التشفي وقراء لفناجين البخت الضائع، نحن بحاجة إلى الحب أكثر من حاجتنا إلى علماء يكتشفون لنا سر انفجار الذرة، نحن بحاجة إلى قراءة حقيقية تفسر جلال الحب، وهو يجعل الشمس تضيء سطحاً قمرياً تربته من الرمل والحصى، لقد تعب العالم، وهو يتغزل بهذا القرص المضيء بواسطة الأشعة الشمسية، وإلى حتى الآن، لم يزل القمري خدعنا ودعاة الفهم والمعرفة يتنقلون بنا من جزيرة وهمية إلى أخرى أكثر إيغالاً بالوهم، والقصة كما هي لم تتغير ثيمتها، لأن العقل مصر على قيادة العالم إلى مناطق اللا حقيقة لأنه عقل الخيالات الجامحة، هو عقل الألغاز المبهمة، والمسألة برمتها لا تحتاج إلى كل هذا الدوران حول الذات، بل لنرى في داخلنا سنجد أن المضغة في الصدر قد جف معينها وذوت أوراقها، وذبلت واصفرت، لأن الإنسان كذب على نفسه عندما توهم أنه يستطيع أن يعيش من دون الآخر، وللأسف سار في الطريق من دون عينين، فاصطدم بجدار النهايات السوداوية، بعدما عرف أنه وحيد في قلب العاصفة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد