قسوة

قسوة

قسوة

 صوت الإمارات -

قسوة

بقلم : علي أبو الريش

القلب مضغة مثل رغوة اللبن، نحن في القسوة نفتتها حتى تستحيل إلى قتامة قهوة باردة، نحن في الشطط نغير مجرى الدم في عروقنا، فيذهب إلى مناطق خارج الوريد، نحن في الحماقة نسدد رصاصة اللارحمة إلى القلب، فلا نألفه إلا نشارة خشب ملقاة عند ناصية مهجورة. عندما نرتكب معصية القسوة تتحول منازلنا إلى غابة موحشة، وتمضي حياتنا في طريق شائك، تحيطه أعشاب خشنة، تغوص في أعمارنا، فلا نجد الفضاء الذي يلهمنا رؤية الحياة كما هي، وهي التي نسجت خيوطها من حرير السعادة، ولوَّنت قماشتها من بياض السحابة الممطرة. عندما تكون قاسياً، فإنك تغير قوانين الطبيعة وتشوه منتجاتها، وتسيء إلى جبلتها الأولى. فالقاسي شخص خرج من شرنقة مفعمة بأحلام القيم المستحيلة، ومدَّ مخالب بدلاً من فتح كفوف الرخاء العاطفي، وتوقف عند مرحلة عمرية مشوبة بتشققات الوجدان وتلوث المعاني.

القاسي كائن اختطفته أيدٍ خفية، ووضعته عند لهيب النيران، حتى احترقت شغافه، وتيبست أغصان الشجرة الإنسانية في داخله، إنه يفيض عن حاجة الوجود، إنه مثل الدودة الزائدة وجودها وهي محتقنة، يسبب الأذى لنفسه وللآخر، إنه منسكب في الوجود مثل الأمطار الحمضية، إنه لن يتوافق مع طفل ولا شيخ كبير، لأنه تبرأ من إنسانيته كما تبرأ هتلر من قوانين الضمير، وقبله فعل هولاكو، واندحر الأول منتحراً، والثاني فني مقسوماً، ولا فيض عند القاسي سوى حرقة الأيام، وصفاقة الأحلام، وغشاوة عين لا يرى من خلالها غير خصلة غيمة معتمة، قساة القلوب حجر في طريق النهر، هم في الأساس ذاتيون، منقبضون، متكئون على حجر عثرة، وتطيح بعلاقاتهم بالواقع، وتدمر أنسجة الحب في أفئدتهم، وتصب كأس السم على شفاه آمالهم، فيمضون منعزلين، مثل أرانب فرَّت من قسورة، يفرون إلى أكوان غادرها الناس، وأصبحت مزاراً لموتى عصور غابرة، يصبحون مثل مراكب عصفت بها الأزمنة، يصبحون بلا معنى، مثل آلة عتيقة صدئة.
القساة كائنات تسير بلا قلب، محطتها الأخيرة هي هشاشة ولا بشاشة. القساة لم يتعلموا من التاريخ غير نفي النفي، ولا إثبات ولا ثبات على أرض تهزها زلزلة النهايات القصوى.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قسوة قسوة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates