في دموع أمك بحر الأسئلة

في دموع أمك بحر الأسئلة

في دموع أمك بحر الأسئلة

 صوت الإمارات -

في دموع أمك بحر الأسئلة

بقلم : علي أبو الريش

في رموش عينيها بلل الأسئلة، وقوافل قصيدة لم تكتمل، وعطر أنفاس متعبة، وعتاب أزلي يحمل في طياته أحلام صباك، وطفولة غيَّبت كل ملامحها في معطف الغياب، وأنت تتهجى وعيك الذي لم يزل يسف جدائل حصير افترشته لك كي تنام في حضنها، وتطلق طيور أحلامك، وتمنحها لذَّة التناغم مع نبضات قلبها الذي كان يصيغ السمع لنشيدك العفوي، وبراءة أيامك.

اليوم وأنت تسح بعرق ذهابك إلى الأمكنة البعيدة، وفي عينك بريق الزمان القديم، وهشيش رغباتك المؤجلة، وبعض أشيائك الصغيرة، وتفاصيل الهدهدات التي كانت تغريك ساعة المنام، مهد الطمأنينة، وهذه هي أمك تكبر أنت، وتشيخ الكثير من ذكرياتك، لكنك تبقى في مخبأ قلبها الصغير الذي كان يلهو بمشاعرها، ويقلقها صياحك، وأنت تدنو من ذراعيها، فتطويك تحت ملاءة حنان يفيض كما تفيض الأنهار بالعذوبة.

اليوم أشياء كثيرة تحولت إلى تماثيل من رمل، تتهدَّم وينهار خيط رفيع، بل أرفع من خيط الدمعة المنسحب من عينين تلمعان، مثل بلورة أسقطت عليها الشمس أهداب بلون الفضة، وأنت تتأمل المحيا، وكأنك أمام مرآة أزلية، لم تزل تحفظ الود مع البقاء، تنظر بإمعان، وكأنك تقرأ كتاباً مقدساً، وتتلو على وجهها سر الحنين، وأسباب الاشتياقات التي لم تعصف لها السنون، وامتداد العمر على سجادة الزمن، وأنت ترنو إلى الملامح وقد شابها الهرم، ولكن القلب هو القلب، مثل النهر تمر عليه الأيام، والوجوه والظروف، ويبقى هو يتسرب بين صخور حضورك، فيصحو فيك ألمك الوجودي، ويستيقظ سكان مهجنك، يحيطونك بنظرات قد تبدو مبهمة، لكنها متَّقدة مثل جمرات ذلك الموقد الصامد في فناء منزلك القديم، ذلك الأسطورة الباهرة، كلما زرت مكانه وأمعنت النظر في بقايا الدخان ورائحة الخبز متشبثة في طين الذاكرة، مثل عطر أمك الذي يخضب قماشة ما تبقى من رفات الأيام، وأنت تتملى الوجه المكلل بتجاعيد التعب، تستولي عليك موجة عارمة، تحتل مساحة واسعة فيك، تذوب أنت، تتلاشى، ومهما اجتهدت وتفاديت الاصطدام بحزنك، لن تتمكن من تلافي المباغتة العصيبة، لن تغادر منطقة أيام الرمل المبلل بعرق الساهرة على حلمك، القابضة جمرة اللهفة، وطوق نغنغات أول الليل، وبداية الغفوة أنت تستدعي الصورة وهي بكامل حلتها، تغرق في سجايا جبلتك، فأنت لم تزل طفلها الذي ربما غادر منطقة المكان، إلا أنه في الزمان، يسكن في مكان ما من الضلع عند وهج الوريد، في صلب الشريان، في أعماق المهجة ولوعة الانتظار.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في دموع أمك بحر الأسئلة في دموع أمك بحر الأسئلة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates