بقلم : علي أبو الريش
اليوم أصبح الغوغائيون ومن بهم شطط يملكون الساحة الثقافية ويتحكمون في مفاصل الحياة، فنسمع ما تشيب له الولدان وتقشعر له الأبدان، حوار أشبه بالخوار حتى أصبحت الأفكار تتطاير مثل حشرات تائهة، وسط ريح صرصر، فلا أحد لديه الاستعداد أن يسمع أحداً، ووسط هذا الضجيج، والعجيج، يغيب المنطق، وتختفي العقلانية، ولا تبقى غير الزمجرة، والفحيح، الذي شاع، وماع، وراع القلوب، وأصبحنا لا نمسك من هذا العويل المتصاعد غير الغبار، والسعار، ولا نصل إلى يقين ما نريد الوصول إليه.
فالآن كل سارب وغارب بات يدافع عن الأفكار، وينصب نفسه وصياً عصياً على الإقناع لأن فلسفة الحوار قائمة على كيل السباب، والشتائم ضد كل من نختلف معه، أو من لا نريد أن نسمعه، فالجهلة وشذاذ الأفق هم الذين يتصدون للحوار، وهم قادة الرأي، وهم سادة الفكر، الأمر الذي جعل من الالتقاء على كلمة سواء أمر متعذر الوصول إليه.
في الحقيقة، يطرح الدكتور علي بن تميم أفكاراً قد تكون صادمة للبعض، ولكنها جديرة بالمناقشة، والحوار، ولكن للأسف لا تجد هذه الأفكار من يسمعها لأن من يتلقون هذه الأفكار في آذانهم صمم، وفي عيونهم قذى أيام سلفت، وأصبحوا مثل الذي يقف خلف جدار سميك ولا يسمع غير الصدى الأمر الذي يحول مثل هؤلاء إلى صواعق كهربائية، قاتلة للفكر، مهيضة للوجدان، مخيبة للآمال فلا مسمع ولا ولا مستمع، ووسط هذا العصف، والخسف، والنسف، والتعسف سوف تضيع أجيال، وتصبح الأفكار مثل طيور مذعورة جراء الدوي، الذي يحوم من حولها.
لا نريد أن ندافع عن علي بن تميم، فهو جدير بأن يقف حائلاً دون هذه الخربشة على سبورة الفكرة النيرة، ولكن كل ما نطالب به هو أن يتعلم البعض جمالية الحوار، مهما كانت الفكرة المطروحة، فيجب أن نمتلك الشجاعة ونتناول القضايا بتأنٍ، وروية ومن دون حماقات تؤدي إلى قتل الفكرة، والانجراف وراء بذاءات لا تعبر إلا عن سذاجة، وسطحية المحاور.
يجب أن نتحرر من الوهم التاريخي، ولا أحد يمتلك الحقيقة مائة بالمائة، نحن فقط نحاول أن نقترب من الحقائق، حتى نخرج أنفسنا من صدأ الخرافة، وما شاب العقل من ضباب، ويباب، وخراب على مدى عصور مضت، لم يستفد من هذه القماشة المتسخة بقمامة التاريخ إلا أعداء الحقيقة، وأصحاب الأفكار المزيفة، فالله دعانا بأن نفكر، ونتبصر، ونسأل، والبعض يريدنا بأن نتحجر، ونتبخر، ونمضي في الحياة مثل الأنعام.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد