بقلم : علي أبو الريش
عندما تناقش شخصاً من الأقربين أو الأبعدين، فإن السؤال الوحيد الذي يطرأ على باله هو «من يستطيع أن يهزمني؟ ولأن الرواسب ثقيلة، ولأن الخراب يملأ الوجدان والأشجان، ولأن الركام الصخري تضج به النفس، فإن الدفاعات النفسية تكون شديدة المراس، وتكون ضارية ومتوحشة، الأمر الذي يجعل من أي حوار وكأنه تصادم صخرتين جلمودتين
. جاهد الفلاسفة والمفكرون وبحثوا ونقبوا وفتشوا عن وسائل تذيب هذا الركام لكن من دون جدوى، ولم يفلح أحد في تفتيت الأملاح المترسبة في الداخل، ولذلك نجد الحوار بين شخصين أو دولتين حتى مثل التناهش بين كائنين جاءا من أدغال غابة موحشة، الإنسان بصفته الكائن العاقل الوحيد على حد زعم علماء البيولوجيا، استطاع أن يسخر كل المعتقدات والأديان والأفكار والعادات لصالح أنانيته وفرديته مما جعل انفتاح البحيرة المغلقة أمراً مستحيلاً، لأن الرغبة في الاستيلاء أقوى من محاولات الجلاء.
والإنسانية برمتها تحتاج إلى عمر طويل لتجلي الصدأ وتزيح الغبار وتخفض من حدة السعار وتهزم التعنت وتتطيح بالتزمت وتعيد الإنسان إلى حالته الطبيعية والتي يجب أن يكون عليها. فالحرب في حد ذاتها دلالة على فقدان الإنسان إنسانيته، مهما سيقت من ذرائع ومبررات.
وما يجري في اليمن دليل على فقدان الصواب وضياع البوصلة. ومن يسترجع الذاكرة ويستعيد التاريخ الأول للانقلاب الحوثي على الشرعية يجد أن هناك شرخاً في ذاكرة الحوثي،
كما أن هناك لا وعي يحرك مكامن العدوانية ضد الآخر ويبتدع الحجج لكي يحقق نزعات النفس ونزوات الفكر التسلطي، وإلا من يصدق أن يخرج قادة من صلب بني اليمن ليحرقوا ويسرقوا ويسلبوا ويبيدوا جل الثوابت، فقط من أجل اجتثاث الآخر والاستيلاء على السلطة، فهذا الاندفاع لم يأتِ من فراغ ولا علاقة له بمظلومية أو شابه ذلك من وشايات وغوايات، الأساس في المشكلة نزعة التفرد والانغماس الكلي في مضامير الارتفاع إلى فوق الاكتفاء، والإطلالة على الآخر من تلك البقعة السوداوية القميئة.
ولن يتراجع الحوثي عن أهدافه ولم يخنع إلا في حالتين، الهزيمة التي تعيده إلى صوابه، أو امتلاكه القدرة الفائقة، على التحرر من الأوهام التاريخية. فالآن دول وامبراطوريات قائمة على الوهم التاريخي وما يفعله هذا الوهم من تخدير العقل بحقن خرافية تجعل الإنسان ينقاد إلى الجحيم، ظناً منه أنه ذاهب إلى جنة التعليم.
فالإنسانية، فكما أنها متفردة بالعقل على سائر الكائنات فهي متجردة منه في نفس الوقت لأن العقل حكيم في منطقة ولئيم في منطقة أخرى، هذا التضاد هو الذي صنع التصادم وأدى إلى الموجات العارمة التي أغرقت سفن الحياة السعيدة، وحولتها إلى هشيم ورميم وعديم، لايزال الإنسان في ويلاته. فالعالم بحاجة إلى علماء نفس أكثر من شيء آخر.