بقلم : علي أبو الريش
تتأمل طاولة البلياردو فتشعر أنك في لعبة الحياة، فتلك الكرات الملونة أشبه بممرات الحياة، تحاول أن تتجاوز بعضها فتخذلك، تحاول أن تضعها في شباكك، فتنحرف باتجاه آخر ليضحك الخصم، وتكفهر أنت، أما الكرة السوداء فهي المعضلة التي قد تلتهم كل جهودك، وتضعك في خانة الخسارة الفادحة.
أنت في البقعة السوداء، وأنت في قبضة الكرة السوداء، تفكر كثيراً قبل أن تدفع المضرب إلى الأمام، وأحياناً ترتجف يدك القابضة على المجهول، وما أن تندفع أنت والكرة نحو الأمام، حتى تسمع ضحكة الخصم مجلجلة وكأنك تحت سماء يهز غيمته رعد قاصف عاصف، خاسف ناسف.
أنت مع الكرة السوداء في حال السلب والإيجاب، أنت تحت الجاذبية الأبدية، أنت في خضم الصراع مع الآخر، لا تريد الهزيمة، ولا تتحمل روية أسنان الآخر، تفرج عن فرحة تشق مجرى الشفاه، إلى حيث يكمن وجعك وخيبتك، ونكوصك إلى مراحل ما قبل المجيء إلى هنا، أي إلى الحياة، أنت في حضرة الكرة السوداء، وكأنك في فصل من فصول الخيبات التي تلم بالبشر، وعندما يحاصرهم العجز، وتعرقلهم القدرات الضئيلة، أمام كم هائل من العقبات والعثرات، المزلزلة لكيانك وبيانك وبنيانك، أنت أمام الكرة السوداء الصغيرة وكأنك أمام سفينة عملاقة تريد أن تداهم قاربك الصغير، أنت هنا ربما تكون في غرفة صغيرة مع مجموعة من الأفراد، لكنك تشعر أنك في وسط صحراء واسعة، تفتح جحيم لظاها وتلتهم طموحك الذي يدفعك كي تهاجم، وتندفع بقوة كي تثبت أنك الأقوى والأجدر، ولكن الحياة التي استدارت، وصغر حجمها تأبى أن تجعلك إنساناً طبيعياً، لأنك ارتضيت أن تقارع وتصارع، وتدافع وتمانع، وترفع مستوى المواجهة إلى حد التحدي، ولكن من ستتحدَّى، ومن ستواجه، إنها الحياة، الكرة السوداء، التي تجمَّدت عند نقطة البأس الشديد، وصرت أنت مجرد فرخ طائر، يجلده البرد الشديد بسياط لاسعة، تنغرس في جسده مثل قضبان حديدية حادة ومسننة.
أنت مع المضرب الذي في يدك اليمنى، مثل كهل يحاول أن يتجاوز عرض طريق مزدحم بالأخطار، ولكنك تصر على الاقتحام وتمر، وربما تمر ولكن مرورك هذا ليس نهاية الخطر، فقد يصدمك لص هارب من قبضة العدالة، أو يلطمك صبي يلاحق صورة أب لم يتمكن من الوصول إليه.
هذه هي حياتك، وحياة كل منا، وضعت بين قوسين سميكين وانتهى الأمر، ومحاولة الهروب من واقعها مثل محاولتنا إسقاط الكرة السوداء في الشبك المحدد، والمتفق عليه مع الخصم.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد