بقلم : علي ابو الريش
بعض الوجوه تقابلها، وكأنك تقابل وجوهاً في الظلام، كأنك تواجه أشباحاً، ربما يكون وجهاً مر عليك، أو وجهاً له تاريخ في حياتك، ولكنه عندما يبرز أمامك، في زقاق ما أو في شارع معين، فقد لا تعرفه، وكأن في عينيك غشاوة.
هذه الوجوه هي الوجوه الملونة، هذه الوجوه هي التي اعتراها بعض الغبار الزمني، هذه الوجوه هي التي انتابتها الرثاثة، فتغيرت سحنتها، وتبدلت جلودها، وتحولت من وجوه إلى مرايا متكسرة، أو زجاجات معفرة بالتراب. إنها الوجوه التي اغتسلت في مستنقع، إنها الوجوه التي خربش في سحناتها مخلب عتو ما، أو غلو ما، أو طغيان مشاعر.
هذه الوجوه نامت في كهف مظلم اسمه الهذيان. عندما تصادف صديقاً قديماً، وقد نمت على محياه تجاعيد مثل تشققات الأرض اليباب، تشعر أنك قفزت في حفرة عميقة، تشعر أنك هبطت من علو شاهق على صخرة صماء.
تحاول أنت أن تتعرف على الصديق، تحاول تملي الوجه، وتهجي حروف بعض الكلمات على لسانه، لكنه لا ينطق بالحروف كما هي، بل يغربل ناظريك بغشاوة سميكة، ويسربل وعيك بصور أشبه بالخرافة.
تشعر أنك أمام كائن خرافي، وأنك لابد أن تقرأ الفنجان حتى تستقصي أثر الميت داخل هذا الفنجان، تحاول أن تؤول ما يجري في قاع الفنجان، وتزيح الحثالة عن باقي قهوتك الصباحية.
هذا الوجه يشقيك، وهو يروي لك قصة إنسان تحول إلى شبح، أو إنسان استحال إلى خرافة، مثل أي خرافة قذفها في وجهك مجتمع خرافي إلى حد النخاع!
تستمر في القراءة، وعندما لا تجدي قراءة الفنجان، تبدأ في قراءة الكف، وكذلك تفشل في فهم ما يتجلى أمامك. بعد حين من التأمل، والتبصر، تصاب بالخيبة، ويملؤك الوجه الذي أمامك بالخوف.
تصبح مثل الطفل الذي يكتشف أول مرة في حياته، وجهاً يشبه وجه الدمية، في جموده، وعجوفه، والصدأ الذي يملأ مساحة واسعة من العينين، والشفتين.
تصبح أنت مثل جناح مرتجف إثر صرخة مدوية هزت جذع الشجرة، إنها الصرخة التي تخرج من مكان في داخلك وتقول لا.
هذا ما لا يعقل حدوثه، فإن يتحول الإنسان إلى كهف مهجور، فإنه من خصال الحضارات المتلاشية، التي تنتج تماثيل شمعية أكلت أطرافها شمس القيظ، وغطاها غبار بيداء متشظية. هذا ما يمكن تصوره إلا في أفلام الرعب، والروايات البوليسية. تقول هذا من فعل وجدان بشري، تنامت على صفحاته، رميم أزمنة كالحة.