بقلم : علي أبو الريش
في معرض الكتاب بأبوظبي، توجد الشجرة الوارفة، ويوجد الخيال الجامح، ويوجد السؤال الكبير، وهو: ما الدور الذي تلعبه دور النشر المحلية؟ حقيقة هذا السؤال تجيب عليه دار مداد للنشر. في هذه الدار يجد الزائر نفسه، ويجد إجاباته ترفرف مثل وشاح امرأة فتنت بعطر الحياة. عندما تدخل محيط دار مداد، تشعر أنك في حضرة الوعي، وأنك في صالون ثقافي يزخر بباقة من الرواد الذين تزودوا بخير الزاد، وخير الزاد هي القيم الأخلاقية التي يضفيها صاحب الدار على كل زائريه من دون تمييز، ناثراً حبه وكأنه البخور، وبلباقة الأوفياء، يمد شراع الود، ليصبح مكان الدار مجلساً ثقافياً يذهب بالوعي إلى مدى أبعد من كون الإنسان يزور دار نشر لبيع الكتب، في هذه الدار هناك قناعة لدى صاحبها أن التعامل مع الكتاب هو ليس كالتعامل مع أي سلعة، لأن الكتاب يحمل مضمون كلمة اقرأ، وهي التي جاءت في باكورة النزول القرآني، ما يجعل الفكرة تسبق أحلام البيع، والكتاب يقف في مقدمة الأهداف لدى الأستاذ حسن الزعابي، الذي يقدم اليوم نموذجاً للمثقف الملتزم، والعاشق الذي يضع الكتاب في مخبأ القلب، ويمضي بالقافلة نحو منابع النهل، ويذهب بالكتاب إلى نجومية العطاء الإبداعي، ويضع الكلمة أمام مشهدها الحقيقي، وأمام شاهدها التاريخي، وعندما تتحدث مع هذا الرجل تجد أنه معني بالثقافة، مهموم بالوطن، ومسعاه هو أن يكون للكلمة نقطة في قلب الدائرة، وقطر في وسطها، وأن يكون للإبداع مساحة بحجم تضاريس الإمارات، وبياض بلون قلوب أبنائها.
هكذا رأيته يفكر، وينظر ويتبصر، وهكذا رأيت المحبين يحيطونه، بقلوب ملأى بوجد العشاق المخلصين، وعقول تخيط حروف الحرير، حول منجزه الثقافي، ومشروعه الوطني الذي يعتز به كل محب لهذا الوطن، وكل من تعنيه ثقافة هذا الوطن، لأنه ما من قوة تهزم وطناً تسلح بثقافة الحب، ووضع حب الوطن في مقلة العين.
حقيقة عندما كنت ألج دار مداد كنت أشعر أنني أدخل صالوناً ثقافياً مزدهراً بوجوه مشرقة بالحياة، والتفاؤل والإيجابية والفرح، كان الكتاب الذي يطوق المكان أشبه بالأشجار التي تطوق أحلام الباحثين عن ثمرة الوجود، كان الكتاب يرفرف بصفحات أشبه بكفوف غمست بحناء السعادة، كان أشبه بأحداق كحلت بأثمد الأمنيات الكبيرة. كان الكتاب يقول لحسن الزعابي، شكراً سيدي لقد أكرمتني عندما أكرمت قارئي، بتقديم ما ينفع الناس، وما يرفع من وعيهم، وما يجعل للكلمة أنامل، وللفكرة أواصر بدايتها الإمارات، ونهايتها آخر بقعة في هذا العالم.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد