بقلم : علي أبو الريش
ماذا يحدث للأفراد عندما يقعون فريسة الوهم؟ إنهم يغيبون عن الوعي، ويصبحون تحت طائلة اللاوعي الذي يجرهم مثل الخراف المذعورة، صوب هاوية المأزق الحياتي، فلا يرون غير الصور الوهمية التي تصور لهم أنهم أصحاب القول الفصل في الحياة، هذا ما يجعلهم يذهبون إلى الجحيم بأرجلهم ولا يهابون لومة ضمير أو تأنيب قلب.
مرض البارانويا أصاب الكثيرين من الأفراد والجماعات والدول، الأمر الذي أشعل في قلوبهم نيران الحقد والكراهية ضد الغير، فهؤلاء يعتقدون أنهم امتلكوا ناصية الحقيقة، وأنهم أصحاب الحق في فعل ما يرونه الصواب.
المبتلون بالبارانويا فَقَدوا السيطرة على العقل، بل أصبح العقل رهن الإقامة الجبرية لنفس جمحت، فجَنَحت، فانسحبت إلى مناطق بعيدة وسوداوية قاتمة، لا ترى فيها شمس، ولا تشعر بوخز ينبهها بأن مناطق الوعورة تكمن أمامها، فعليها تجنب الخطر، وتحاشي الوقوع في المنزلقات المميتة.
مرضى البارانويا لا يفكرون بغير الذات المأزومة بالخداع البصرية، ولا يهمهم سوى الاستحواذ على قدرات الآخرين وبأي ثمن، وحتى وإنْ كلف ذلك إبادة الناس أجمعين، وتحطيم الثوابت الإنسانية وتهشيم القيم الأخلاقية، هؤلاء يعانون من عقد نقص تؤرقهم، وتسرق الفرح من أفئدتهم وتحط من مشاعرهم، فلا يرون السعادة إلا عندما يفتكون بالآخر، ويشيعون الانكسار في كل بقعة وزقاق، هؤلاء صنف من البشر، توحَّش، وطالت مخالب عدوانيته، واحتدت أنيابه ولم يعد أمامه إلا تمزيق قماشة الحياة وتحويلها إلى خرق بالية لا قيمة لها.
هؤلاء نوع من الناس أصيبوا بداء الصور الخيالية المبهمة، والتي لا معنى لها غير الخروج عن نطاق الواقع، والدخول في قمع اللا واقع، وخوض معارك الموت ضد الآخر، بصورة دموية عدوانية كريهة وقميئة، هي ليست من أخلاق البشر، ونرى هذه الأمثلة في كثير من الأماكن في العالم، وفي منطقتنا العربية نرى الجماعة الحوثية أفضل ما يمثلون مرضى البارانويا، فهؤلاء انسحبوا عن الواقع اليمني، ووقفوا عند حافة العزلة، وأعادوا صورة الإنسان المهزوم داخلياً، والذي لا يرى للحياة قيمة إلا إذا اتخذ موقفاً معادياً لوطنه حتى وأن سامه للغريب، لأن الوطن بالنسبة له أصبح لا وطن، ووطنه الحقيقي هي جماعته التي ينتمي لها طائفياً، ولا غرابة البتة أن يتكئ الحوثيون على الأجندة الإيرانية، لأنها في الأساس تلبي مطامع الشخص البارانوي، الذي انفصل عن وطنه، فاتصل بأنانيته البارانوية، وأصبح رهينة بيد هذا المرض، ومن يغذيه من أصحاب الأوهام التاريخية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد