قراءة

قراءة

قراءة

 صوت الإمارات -

قراءة

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

نقرأ وجوههم، فنرى في صفحاتها تاريخاً لم يهمله التاريخ. ونقرأ وجوههم، فنشهد ملامح التاريخ تتمشى الهوينا، كأنها خطوات أطفال في سن الحبو. نقرأ وجوههم فنشعر أن ابتسامة غائرة، تطل من خلال تجاعيد، أصبحت كشوارع في قرية قديمة.
نقرأ وجوههم فتصدمنا تلك العيون مثل نجوم خلف غيمة داكنة، نقرأ وجوههم، فنرى حلماً يتهجى حروف أزمنة غابرة، كانت في حينها مثل موجات رملية، تراكمت على رصيف مهشم. نقرأ وجوههم وعلى شفاههم تلاطمت كلمات ربما لم تصل إلى أسماعنا لكنها كانت أفصح من هديل الحمام على أغصان الشجر، كانت أحصف من لغة السعفات وقت الأصيل.
نقرأ وجوههم ونفهم من عبراتها عبارة تدل على ضياع العمر، نقرأ وجوههم فتأخذنا إلى عوالم غامضة، ومساحات أوسع من المحيط، وأعمق من بئر قديمة في أحشاء الصحراء.
نقرأ وجوههم ونحن مثل أطفال في مرحلة التأتأة، نقرأ وجوههم فنمتلئ بحرقة الصيف، ورطوبة البحر، وصمت الأشجار، ساعة الهزيع. نقرأ وجوههم، فنستعيد طفولة هاربة وريعاناً يتخبط عند أرصفة عمر فرت طيوره، وأصبحت الأعشاش كهوفاً تصفق للنسيان.
نقرأ وجوههم، فننسكب مثل قهوة باردة، وننثال مثل عرق المتعبين. نقرأ وجوههم فيأتينا صوت من بعيد يشرخ صمتنا، ويحتوينا، ونصبح نحن مثل زجاجة مكسورة، نصبح نحن مثل زجاجة فارغة. نقرأ وجوههم فنصبح مثل حطابين في غابة من أشجار بلاستيكية. نقرأ وجوههم فنمشي مثل سلاحف تتخبط نحو الماء فتخطفها مخالب من لظى الحنق. نقرأ وجوههم فنرى التاريخ يشعل سيجارة الأمنيات ويلقي برمادها في مطفأة الأحلام الباهتة. نقرأ وجوههم فنرى العرق يتصبب من جبين الأفكار الهاربة من الواقع.
نقرأ وجوههم فنرى عتاباً مراً يختزل سنوات مرت، مثل موجة عارمة، سرقت أفراح السواحل. نقرأ وجوههم فنرى النظرات، مثل إطلالة الشمس ساعة الغروب، نقرأ وجوههم فنرى الصمت مثل جبال سرقت الطمأنينة من أفئدة الكائنات، نقرأ وجوههم فنرى الأحلام تتسرب من تحت جفونهم، مثل الماء في شرايين الأرض اليباب.
نقرأ وجوههم فنرى أنفسنا أطفالاً في عيونهم، نرى أنفسنا أغنيات لم تكتمل في الناي الحزين. نقرأ وجوههم، ونسمع شهقة الميلاد تكابد تعبها، وهي تتزحلق من وهج النهار القائظ، نقرأ وجوههم ونتهجى لغة غريبة بين شفاههم تكاد تكون أشبه بحبات القمح، عند قمم جبال رأس الخيمة. نقرأ وجوههم، ونحن لا زلنا في مرحلة القراءة، والكتابة الأولى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة قراءة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates