بقلم : علي أبو الريش
المشاعر الإنسانية لا تتجزأ، كما هي الوردة، فإن أخرجتها من تربتها ذبلت وماتت وأصبحت شيئاً منسياً، وعندما ينسلخ الإنسان من مشاعره فإنه يستحيل إلى كائن مشوه ومسف ومتعسف، ولا تتيبس المشاعر وتصغر وتعجف إلا عندما يفقد الإنسان قيمه الإنسانية وينسى أنه إنسان، فماذا يعني أن تقتل سواء حيواناً أو إنساناً؟ فالمسألة واحدة ووسيلة القتل دفعتها موجات الحقد ضد أي شيء.. ضد الإنسان والحيوان والكون بأكمله، ولا يقدم الإنسان على القتل إلا عندما يكون مشوشاً ومغشوشاً بأفكار غبراء شعناء، ولا يمكن لأي إنسان مشوه أن يخرج من محيط الغوغاء إلا إذا بورك بإرادة قوية وصلبة تكون المصفاة للأفكار.
ويحدثنا طاليس الإغريقي «إذا كانت جميع الأشياء جاءت من الماء لنصفي الماء»، فلماذا لا نصفي الماء؟ لماذا لا نصفي الأفكار؟ لماذا ندع أنفسنا ضحية نوازع تنمو فيها طفيليات الحقد، كما تنمو الديدان في المستنقع؟ لماذا يشذ بعضنا عن السرب ويغرد خارج النطاق الإنساني؟ يجب أن نبحث ونسأل ونرفع الأسئلة عالياً، لأنه ما من نهر يشذ عن مجراه إلا توجد هناك صخرة كأداة تقف في طريقه.
ويجب أن نقولها بصراحة: التربية هي المقياس الذي منه تخرج تيارات العقل وهي المعيار الذي من خلاله نقيس السلوك البشري.. اليوم وفي الزمن الحاضر هناك خلل، وهناك زلل، وهناك جلل.
الإمارات مجتمع مفتوح على آخره، والثقافات الإنسانية تنهال عليه من كل حدب وصوب، لذلك لابد من وضع الثوابت نصب الأعين وألا تدعها تذوب في هذا المجرى السريع للمياه القادمة من كل مكان، فالأسرة التي لا تضع الضوابط في التوجيه ولا تعتني كثيراً في تشذيب الشجرة تتهاوى الأغصان وتطيح بها الرياح الجارفة، وتبدو الشجرة جرداء خاوية من كل ورقة خضراء، نحن في رهان صعب فإما أن نكون أو لا نكون، ولكي نكون يجب أن نكون أقوياء النفس، أشداء البأس ولا يجوز أن نعزل أنفسنا عن العالم ونعيش في خيمة الوحشة، بل المطلوب أن نحصن الأبناء بالقيم الأخلاقية المستقاة من الدين الحنيف ومن الإرث النبيل.
نحن بحاجة إلى الآخر كما هو بحاجة إلينا، ولكن يجب أن نقف أمامه بوعي ودراية بأهمية أن نكون نحن لا هو، يجب أن نضع هويتنا الثقافية في مقدمة كل تواصل مع الآخر حتى لا يضيع في غاية الاغتراب.
المصدر : الاتحاد