بقلم - علي ابو الريش
أشواقنا مثل الأشجار، بعضها للزينة، وبعضها للنمو في حقول الأرواح. بعض الأشواق مثل حليب المراضع، وسيلتها الخديعة والأمل بحياة بلا شظف.
وبعضها مثل حليب الصدور الدافئة، إنها تنمو في الأعماق مثل الدماء التي تحرّك الزعانف في أعماق المحيطات، إنها تزخر بالفطرة، وتزدهر بالجبلة، وتزهر بأعشاب ما بعد الارتواء، ورخاء السجية، وثراء السليقة. بعض الأشواق تأتيك مثل دمية من قماشة بالية، تبهرك بألوانها لكنها لا تملأ فراغ الروح.
بعض الأشواق تأتيك مثل هواء المراوح، تغريك، ولكنها لا تمنع عنك رطوبة الصيف الحارق.
بعض الأشواق تأتيك مثل أضغاث الأحلام، توقظك من نومك ولكنها لا تحقق لك أملاً. بعض الأشواق تأتيك مثل أسطوانة مشروخة، تستمع إليها، ولكنك لا تسمع غير الحشرجة.
بعض الأشواق تأتيك مثل السراب، تظن أنه الماء، ولكنه ليس بماء، بعض الأشواق تأتيك مثل وجه قبيح مطلي بالمساحيق، فتظن أنه جميل وتكتشف بعد حين أنه أقبح من غيمة دخانية.
بعض الأشواق تأتيك مثل سحابة صيفية، تظن فيها المطر، ولا تجد بعد حين من الانتظار غير بقايا ضباب، يخفي عنك رؤية مكانك وزمانك.
بعض الأشواق تأتيك مثل فكرة مبهمة، تعتقد أنك اصطدت من خلالها الحقيقة، وبعد عناء تصدمك بأنها مجرد غضبة كونية سقطت على رأسك، وأصبحت أنت الغائم، المبهم، والقاتم المعدم، والساهم المأزوم، والجاهم المكظوم، والعارم المحروم.
بعض الوجوه تأتيك مثل القشة تظن أنها زعنفة الفرح، فإذا بها تلطمك بفراغ أزمنتك، وتدعك في أنملة الحياة خاتما من عدم، وفي معصم العمر سوار من كذبة وخرافة.
بعض الأشواق تأتيك مثل مظلة واهية تضنيك، ولا تحميك من اللظى، تجعلك في الأنام عاريا حتى من أشواقك. بعض الأشواق تأتيك مثل النسمة الكاذبة، تظن أنها نسمة، فإذا بك تكتشف أنها نفخة بوخ أجوف، بعض الأشواق تأتيك مثل النكتة تستمع إليها بإمعان واهتمام، وتظن أنها الحقيقة، وبعد حين تقول: ويحي كيف صدّقت النكتة، إنها كذبة أُريدَ بها باطل، بعض الأشواق تأتيك مثل الصدمة الحضارية، تسلبك وجودك، وتخطف منك الوعي، وتجعلك مفكك المفاصل والفواصل، تجعلك بلا رؤية، ولا رأي، تجعلك خنجراً مثلما تجعلك وعياً شائهاً، تجعلك عقلاً خارج العقل، تجعلك حلماً زائفاً، تجعلك طائراً يخفق بأجنحة الانكسار. ولكن بعض الأشواق تزيح عنك كل الغبار، وتمنحك البريق، وتجعلك في الحياة زهرة برية، تزخر بعطر العفوية، وتزهو بجمال الفطرة.