بقلم : علي أبو الريش
في سن الرشد العقلي، هناك وحدة في المشاعر، تمنحك القدرة على التركيز واختيار المواقف من الحياة، وتدفع بك إلى الأخذ بزمام الأمور الحياتية من دون اللجوء إلى الأنا الأعلى الذي يشكل قوة الآخر ومفاهيمه وتعاليمه وقوانينه، وهنا أنت تقع تحت سلطة الضمير الشخصي، والذي تشكل عبر سنوات التجربة، والنضج العقلي، وتكوين الشخصية المستقلة، رغم محدوديتها قياساً إلى المعيار الاجتماعي الأكبر الذي يحدده المجموع العام.
أنت هنا تتخذ قراراتك من واقع تجربتك الشخصية، ومن مفاهيم تحليلية، ومقارنة بسلوكيات الآخر، ولأن المرء جُبل على النفور من وصاية الآخر، فإن البعد الاجتماعي يأخذ في التضاؤل أمام البعد الشخصي، وبالتالي نجد ما يطلق عليه القنوط من الواقع، وما يحدث عنه من سلوكيات مناقضة للنظام العام، الأمر الذي يستدعي وجود قانون ما يحدد مستوى الضجيج الداخلي الذي يحدث من جراء التناقض. والأمر كذلك، فنحن معنيون بإيجاد التوازن الداخلي ما بين ما يعطى من الخارج، وما هو موجود في الداخل، والمكرس من قبل التجربة الذاتية، ومن هنا نفهم أن ما بين القصور الذاتي، وما بين الرشد الذاتي، هو كما هو الفارق ما بين الأرض اليباب، والأرض الخصبة، ففي سن القصور، هناك حالة من اللاوعي تهيمن على الذات، ما يستدعي وجود ترنيمة خاصة من التلقين الخارجي الداخلي.
وهنا يجب أن نتوقف عند نقطة (التلقين)، فعندما يصبح التعليم الأُسَري أو المدرسي، مجرد إلقاء معلومات، والتي هي في مجملها تعليمات، فإنه يصبح مثل ذر رماد جسد ميت في النهر، فلا جدوى من وجوده هنا في النهر، أو في الفراغ، فالأمر سيان، هو في النهاية ميت، ويذهب إلى اللاشيء، فلا يقبل العقل أن يكون آلة حربية، يضغط على زنادها من قبل شخص لا يجيد فن الرماية، فالعقل محكوم بالحرية، وعليه يحتاج لأن يُستقبل ما يليق به، ويرفض ما لا يليق به. وعندما نتجرأ على مخالفة قانون العقل، والذي هو قانون الحياة، فإننا نعمل على اختزال طريق العقل وتهميش ملكاته، بأن تصبح مجرد قطعة حديدية في ماكينة عملاقة، ونجرد العقل من كينونته، ليصير مجرد حلم طفيلي، يقتحم الذاكرة عنوة، لكي يدعها في حالة ألم قبل الصحوة. وليس القصور العقلي إلا نتيجة لتراكمات تلقين يعيشها الفرد، ولا تسمح له برفع الأسئلة، وتوسيع علامات التعجب قبل الاستفهام.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد