كوننا الارتيابي

كوننا الارتيابي

كوننا الارتيابي

 صوت الإمارات -

كوننا الارتيابي

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

هل تحتاج الإنسانية إلى كل هذا القلق، وهي تشق عباب الحياة؟ سؤال يتدحرج على سفح عقل لم يزل يفكر بالطبيعة المسالمة؟ لو تفحصنا الأرض والبحر، والسماء التي فوق رؤوسنا، لوجدنا كل ما حولنا يشير إلى أن هناك وحياً يوحي من قبل العقل يقول له الزم مكانك، فالعدو يتربص بك، والطبيعة ما هي إلا مخلب فتاك ينظر إليك بريبة وتوجس.
هكذا يعيش الإنسان على وجه الأرض، ويصحو وينام على أضغاث أحلامه التي تصحيه ليلاً وتقول له احذر من القادم، فهو أخطر. ولكن يا ترى هل هذه هي الحقيقة؟ بالطبع لا، وإن كل ما يراه الحالم ما هو إلا محض هراء وافتراء، جاء من خواء الذاكرة، ومن صناعة بشرية بامتياز. نحن الذين صنعنا خوفنا من الطبيعة، كما نخلق خوفنا من الآخر.
الآخر في بداية الأمر كان نحن، ولكننا عندما فكرنا في بناء السياج كي نمنع الهواء من دخول غرفنا الداخلية، أنشأنا من خلف السياج روحاً ما ورائية، ورسمنا على وجهها ملامح الخوف، لنعزز عزلتنا، وندعم ما بداخلنا من نوازع التقوقع، والاختباء، لنثبت حقيقة ما نتوهمه. لا يوجد خوف غير الخوف الذي نرسمه على سبورة الحياة، ولا يوجد عدو غير الذي يتشكل في داخلنا.
فنحن نخاف لأننا لم نخرج من العتمة، ونحن ترتجف أطرافنا، لأننا لم نزل في العزلة الارتيابية التي فرضناها على أنفسنا. لا شيء أجمل من نكون في الحياة، «نحن» وليس «أنا».
عندما نتخلص من الأنا، نكون قد أكملنا مشروعنا الحضاري، أما ما عدا ذلك، فليس أكثر من لعبة صغيرة نديرها في الواقع كي نهرب من حقيقتنا. على صعيد الاختراع المادي، فالإنسانية حققت ما تعجز عن تحقيقه قريحة أي كائن يدب على الأرض، ولكن هذا لا يكفي. هذا لم يزل مجرد بقعة بيضاء على سطح دائرة معتمة.
نحتاج إلى قدرة إضافية تجعلنا فعلاً متفوقين ليس على الكائنات الأخرى، وإنما على أنفسنا. نحن بحاجة إلى كشح ذلك الغبار الكثيف عن مرآتنا، ونحن نحتاج إلى قدرة نفسية فائقة، تضعنا فوق كل الجبال التاريخية المتراكمة عند نواصينا، حتى نخرج من فكرة الخوف من الآخر.
نحن نحتاج إلى مصابيح كاشفة ترينا مدى الخدعة التي عاشها الإنسان منذ أن نزل عن الشجرة، وراح يحطب في الغابة، ليطهو طعامه، ولما لم يجد الأعواد اليابسة، أحرق أصابعه، ثم قال لقد أحرقتني الشجرة، ولما لم يجد صدى لصرخته، قال لقد أحرقني الآخر.
هذه خدعة، والحقيقة تقول الآخر هو أنا، وعليَّ أن أتناغم، وأندمج، حتى تذهب الأنا إلى غير رجعة، ويصبح العالم بخير، وسلام.
عندما يعم السلام، لن نحتاج إلى كتلة السلاح الضخمة، ولا إلى المال المبذر في هذا الغث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوننا الارتيابي كوننا الارتيابي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates