بقلم : علي أبو الريش
في كل بلاد الدنيا، عندما تصادف شرطياً، تشعر بالامتعاض ليس لشيء إنما لإحساس داخلي بنى عروشه على مدى تاريخ الزمان، أما في الإمارات فالحالة استثنائية فريدة، لا تقارن بأي بلد، لأن ما يحدث في الإمارات شيء فريد من نوعه، هنا الثقافة الشرطية بنيت على أسس ومعايير إنسانية قبل كل شيء.. والشرطي في الإمارات يمارس دور العسكري الإنساني، يخاطبك بلغة تبدو شعرية أكثر منها عسكرية، ويعاملك بأسلوب أشبه بمرور الماء في الجداول، أشبه بلون البريق في الجدائل، أشبه بالأحلام في عيون الأصائل، أشبه بالقيم والشيم والفضائل، إنه
الشرطي الإماراتي، ارتوى من ثقافة الشفافية، فأصبح يعلو فوق كل الفصائل والمفاصل والفواصل، إنه بين الناس ولهم ومنهم وعنهم.. عندما تصادف شرطياً يرتدي الملابس العسكرية، مستقلاً دراجته النارية أو سيارته المطرزة بالأبيض والأحمر، تشعر أن الحياة تتلون بالبهجة والأمان، تشعر أن أغصان الشجر في الشوارع تصفق تحية وإجلالاً، لإنسان يرسم صورة
المثال والنموذج، ويخطو خطوات الليث المجلل بقيم الأنفة والكبرياء، وكرامة الناس الأشراف. يسعدك هذا الإنسان بلطفه ويبهجك بحسن منطقه ويفرحك بتفانيه وإيثاره، ويشرح صدرك بابتسامته الأقرب إلى بتلات الورد، ويسرك بطيب المعاملة، قد تكون مخالفاً أو مجازفاً واليقين يطوقك، لكنك عندما تواجه هذا الإنسان لا تشعر بالخوف بقدر ما تحس بالخجل أمام رجل يدنو
نحوك وعلى شفتيه ترفرف كلمات الود والملاطفة، في هذه اللحظة تتمنى لو أنه يسجل مخالفتك لتمضي وأنت مرتاح الضمير، لكنه عندما يجدك تهفهف بمشاعر الضمير الذي أيقظه الخطأ، يحاول أن يخفف عنك، ويقول: كلنا خطاؤون، وخير الخطائين التوابون، فأرجو أن تنتبه، فمثل هذه الأخطاء قد لا تكون مقصودة، لكنها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.. ثم يصافحك، ويمضي في سبيله، وفي عينيه بريق الإنسانية يضيء كونك. تشعر أنت بالتأنيب حتى ولو كان الخطأ بسيطاً ولا يستحق أي عقاب، ولا يتجاوز حدود الهفوة. تمضي وقلبك مملوء بالفخر والاعتزاز
كونك ابن الإمارات الذي حباه الله بوطن ينعم حراس أمنه بأخلاق الصحراء النبيلة، وقيم الآباء النجباء، وشيم العادات والتقاليد التي أفرزت أخلاقاً أصفى من ماء الأنهار، تمضي أنت إلى سبيلك وقلبك مفعم بالاعتزاز لمثل هؤلاء الرجال الذين تربوا ونشأوا على قيم الحب، والعلاقة الإنسانية الأشف من ورق اللوز، والأعظم من الجبال الشم. تذهب أنت ونفسك منبسطة مثل
أحلام الصحراء، مثل حمامات في السماء تهدل لأجل أن تضيء النجوم، ويسهر القمر على أنشودة الوجود التي ترفعها الإمارات للعالم أجمع.. تغادر أنت مكانك، وفي عينيك ترتسم صورة هذا الشرطي كأنه الطيف الذي غسل وجدانك بالحب وأعطاك درساً في إدارة شؤون الحياة، أعطاك كتاباً يجب أن تقرأه وتلقنه لأطفالك وأحفادك وأهلك وجيرانك، لأننا في هذا العالم نحتاج دوماً إلى ثقافة كهذه تنقي حياتنا من الدنس. وتذهب وأنت تكن الشكر والعرفان، لقيادة هذا الطريق الأنيق وما غرسه من أعشاب يانعة في طريق الناس الحالمين.. وشكراً لكل من يحب الإمارات، لأنها تحب الجميع كما هم رجال شرطتها.
المصدر : الاتحاد