بقلم : علي أبو الريش
مثل جناح نورس يأتي الليل مفرداً لأجل أن يترطب الرضاب وتصير الشفتان مثل حبة التوت، هكذا في رمضان، كل شيء يبدو مختلفاً، وكل شيء يبدو بلا فوضى، لأن رمضان كائن كوني يحب تناسق الأوراق وتدفق الأشواق، بل هو شهر العشاق الذين تألقوا عبادة وانتحبوا السماء كي تكون لهم شفعاً، ألم يقل كانوا قمة سعادتي «أن السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والقانون الخلقي في نفسي»، وفي رمضان الأشياء تصفو، السماء، القلوب، الرؤوس، ما عدا الشوارع والمولات هذه الاستثناء، ولكن مع ذلك فإني أرى جمال الحياة في هذا الضجيج، لأنه يعبر عن الحياة وعن الحركة وعن نبض الناس، وبالذات النساء، لأنهن الأكثر احتفالاً واحتفاء بهذه الأماكن، لأنها تلبي «طموحاتهن».
في رمضان، الناس مثل الفراشات تجوب حول الأزهار، وهم يجوبون حول المحال التجارية بحثاً عن جديد، في رمضان تبدو حدقة الأحلام أكثر اتساعاً، لأنه مع «الجوع» لا يبدو العقل مشغولاً بغير الأفكار، ومن الأفكار تتولد أحلام وتدور الأيام في هذا الرأس وتأتي بك من أماكن بعيدة ومن مناطق شاسعة، وكأنك مسافر عبر ظهور الجمال تشعر بالتعب والمتعة معاً، ولا أدري لماذا تكون الأفكار في رمضان دائماً جميلة، مثل العرائس في الليلة الأولى، ربما لأن رمضان بحكم وضعه الديني، يطهر الكثير من الأماكن في العقل، فلا يدع فيها من المكدرات، وربما ولكنني لا أجزم، في رمضان نحتاج كثيراً إلى الأطفال لأنهم ورمضان يتساويان بالفطرة والعفوية والنقاء والصفاء، الأطفال وحدهم الذين يدخلون الفرح إلى قلوبنا حتى في حالات الحزن، ألم يقل السيد المسيح «كونوا أطفالاً كي تدخلوا الجنة»، الأطفال لم يتلوثوا بعد، لم تتسخ أياديهم ولا آذانهم ولا عيونهم ولا قلوبهم، هم مثل الموجة تطهر نفسها بنفسها لأنها متحركة باتجاه البياض.
وفي رمضان، عندما يقابلك طفلك تشعر أنك ستكمل صومك من دون خدوش، وأنك ستفطر مساء من غير عقد ذنب.. في رمضان، عندما تجلس يجلس طفلك أو حفيدك في حضنك تشعر بدفء، تشعر بحنان رمضان لا مثيل له، وتشعر أن حياة مقبلة نحوك بإضاءات لم ترها من قبل.. في رمضان عندما تغرب الشمس، الشارع يبدو وكأنه غرفة مهجورة، الأصوات تخفت، وحتى «التفحيط» يختفي تماماً إلى أن تنتهي ساعات الإفطار، وبعدها تدور العجلة مرة أخرى، وعلى الرغم من الخطورة التي يشكلها هذا السلوك، فإنني أشعر بالامتعاض، ربما لأنني أشفق على هؤلاء الشباب لأنهم يملكون طاقة كان يجب أن يستفاد منها في مجال أكثر إيجابية.. في رمضان الشاشات الفضائية تتغير جذرياً، وتنقلب إلى مهرجان مسلسلات، بعضها القليل جيد لأنه يحمل في ثناياه قضايا هادفة.