بقلم _علي أبو الريش
عندما تحب شخصاً، ترى في عيوبه فضيلة، وفي زلاته خطوات نبيلة. فالحب مثل الممحاة، يمسح الكلمات الخطأ، ويبقي الصحيحة.
الحب مثل الماء، يسري في الأرض الحدب، فيحولها إلى تربة خصبة، إنه يروي، ويظل يروي، حتى ينبت العشب، وتخضر الأرض. الحب مثل المطر، يملأ الأرض القاحلة ماءً، حتى تصبح نهراً.
عيون المحب مثل الوردة، لا تيأس من بث العطر، حتى في أقصى حالات الشحوب، لأنها خلقت هكذا، فقط من أجل منح الشذا لكل الوجود.
لذلك، فإن عيوب الآخرين، ليس في ذاتها، وإنما في ذات من يتبين العيوب، وفي عيون كل منا منجل خارق، يبحث عن العيوب، في الآخرين، ولا ينتهي هذا المنجل من البحث إلا عندما يسكن الحب قلوبنا، فالحب وحده هو الذي يصنع الجمال، وهو الذي يزخرف سجادة الحياة في عيوننا، فنرى الوجود جميلاً، وننتهي عن إظهار عيوب الآخرين.
نحن لا نتدبر عيوب الآخرين، إلا لأننا نريد أن نخفي عيوبنا وعندما ينبت الحب في أرواحنا، فإنه يجلي الصدأ عن كواهلنا، ونبدو مثل المرآة الصقيلة، نظهر الوجوه مثل ما هي، لامعة، ولا نضيف عليها من عيوبنا.
هكذا هو الحب يفعل، وهذه هي معجزته الكبرى، هذه عبقريته، في التجويد وفي تسديد خطواتنا نحو الحياة، من غير تعثر عند صخور تاريخنا وأيامنا الخوالي، ونحن في الحب، نمضي، وفي قلوبنا مصفاة فطرية، تنقي مشاعرنا وتجعلنا ننظر إلى الآخر، بعيون لم يملأها الغبار، وقلوب لم يشحنها السعار نكون في الحياة، أشجاراً، يحلق على رؤوسها الطير، ويرفع النشيد عالياً، من أجل أن تصفو مهجة الغيمة، ومن أجل أن تبدو النجمة، الدليل إلى مناطق بناء القصيدة العصماء، ومن غير هنات، أو زلات، رجات، أو هزات، أو موجات تقلب مراكبنا، ونحن في السفر البعيد.
الحب لا يجعلنا، محايدين، ولا منحازين، الحب يجعلنا مندمجين في الوجود، متناغمين مع الآخر، مثل ما هي الموجة، مع الموجة. عندما يسكن الحب منازلنا، تصبح الزوجة كوكبا، والأبناء أهدابها الشمسية.
نرى الإنسان الذي يشاركنا الحياة، شريان ماء، في عروقنا، نراه حلماً زاهياً يضيء منامنا، نراه ندىً على أوراق أفئدتنا، نراه معطفاً مخمليا يدفئ بردنا، نراه هكذا لأن الحب يملك كل هذه الجماليات في حياتنا، ومن دونه، تبدو الحياة، قوقعة خاوية على رمل أسود.