بقلم : علي أبو الريش
هل الحياة حفلة تنكرية؟ عندما يصادفك شخص لا تعرفه، لكنه يبدو لك كأنه داخل حفلة تنكرية، لما يعتريه من صور متزاحمة في التصرف والسلوك، فأنت لا تستطيع أن تميز هذا الشخص، هل هو إنسان محب أم كاره، وهل هو فضيل أم رذيل، وهل هو صادق أم كاذب، فكل هذه الصفات المتناقضة قد تجتمع في شخص واحد، ولن تستطيع التمييز بينها كون الشخص استطاع أن يتلبس بحزمة وافرة من الصفات والسمات، وهي قابلة للتأويل، ولا حقيقة جلية تبني عليها حكمك لهذا النوع من الأشخاص الذين يجيدون التلون والتموضع في المكان والزمان، حسب ما تقتضيه الظروف، وحاجة هذا الشخص لأن يكون في شخصية معينة في ظرف معين.
فهذا الشخص لا يستطيع أن يكشف عن شخصيته لأنه ضائع في الوسط، لأنه لا يملك ذاتية فردية، إنه مجموعة من الشخصيات في كيان واحد.
ويقول الفيلسوف الوجودي كيركجارد، إن من لا يستطيع أن يكشف عن نفسه، لا يستطيع أن يحب، ومن لا يستطيع أن يحب، فهو أتعس إنسان على الإطلاق. مثل هذا الشخص، فقد القدرة على الاختيار، ويقول سارتر، الوجود اختيار، وعدم الاختيار، هو عدم الوجود.
ونحن اليوم نجد في حياتنا اليومية أشخاصاً، يعيشون حياتهم التنكرية، وبشخصيات متعددة الجوانب والصفات، لأن هؤلاء الأشخاص يعيشون حالة التيه، في غابة الرغبات والمظاهر المدهشة التي تجعلهم لا يستطيعون الاختيار، ولا التمييز، بين ما هو خير، أو شر. هؤلاء الأشخاص، أشبه بربان السفينة الذي وقع في مهب عاصفة هوجاء، فظل حائراً لا يملك الخيار الصحيح، وبين فقدان الخيارات، تغرق السفينة، ويصبح القرار النهائي هو قرار اللا اختيار، تأذٍ يقوده إلى الهلاك.
فالشخص الذي لا يكون هو في ساعة يتطلب فيها اتخاذ القرار، يكون عرضة للنهايات المؤلمة، وهنا نضع إصبعنا على جرح الذين تدفعهم الشخصية المتنكرة لوجودها، إلى الانخراط في نوايا شريرة ضد الآخر، والمثال الأوفر حظاً هنا، هو الشخص المتطرف، والعدواني الذي اندمج مع شكلانيته، بعيداً عن فرديته الحرة، وانتمى إلى فكرة سوداوية، مغايرة ومعادية للواقع، في حفلة تنكرية لا تعبر عن الحقيقة الأولية للمبادئ السامية، بقدر ما تعبر عن شخصية هشة، هي أشبه بالكائن المستنسخ.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد