بقلم : علي أبو الريش
«الإدارات الأميركية السابقة دمرت العراق»، في هذه الكلمات، الأشبه بخيوط الشمس، أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ما يجيش في خاطر كل مواطن عربي، وكل إنسان على وجه الأرض.
فالعراق الذي كان، أصبح اليوم فعلاً ماضياً، ينام على ركام من التناقضات والإسقاطات والهزائم النفسية، والعراك الطائفي، كل ذلك بفعل التهشيم الذي حل بهذا البلد، والذي جعله لقمة سائغة لدى المفترسين من أصحاب المصالح والأجندات والنزوات. ومن يقرأ تاريخ العراق ماضياً وحاضراً، يشعر بالمرارة بأن بلداً عربياً يتآكل من الداخل، مثل لوح خشبي عاثت به
الرمة، ولولا التدمير الأميركي والصراخ الإعلامي الفج، وما بني عليه من أكاذيب أدت إلى فسخ العلاقة ما بين العراق والحضارة الإنسانية، فالعراق دمر لمجرد شبهة، بينما دول أخرى وقع عليها الدليل الثابت والتهمة الدامغة مثلما نرى، غير الاستجداء ومحاولات الاسترضاء، والتسكين بوساطة «البندول» السياسي. إيران اتهمت منذ عهد بوش الابن ضمن محور الشر،
وإيران نفسها تجاهر وتتظاهر بامتلاكها السلاح الفتاك، ودول العالم الكبرى ومن بينها أميركا لم تفعل شيئاً غير الاتفاقيات وأساليب التهدئة، وهذا ما يجعلنا نقتنع قناعة تامة، أن ما تم تدبيره ضد العراق ليس الهدف منه ما أثير من قضايا ملفقة كالكيماوي مثلاً وإنما الهدف لأسباب سياسية وأغراض تكمن في ضمير الإدارات الأميركية التي أقدمت ومن دون تردد على صب
الجحيم الناري لمدة أربعين يوماً على رأس المواطن العراقي.. وبعد العراق لم تجد هذه الإدارات لتدمير دول أخرى غير اعتناق فكرة «الربيع العربي» وما نتج عنه من تفكيك دول وتشريد أهلها بحجة الديمقراطية، وكأن هذه الديمقراطية سلعة من الممكن أن تصدر إلى أي مكان في العالم. ولم تعلم تلك الإدارات الأميركية أن الديمقراطية تنشئة وتربية، وهي في النهاية وسيلة
وليست غاية، وما يطبق في أميركا لا يعني أنه صالح لأي بلد آخر، ولكل بلد وشعب ظروفهما، وقيمهما، وتضاريسهما الثقافية والوجدانية، وكأن تلك الإدارات لم تقرأ جيداً فكر الفيلسوف الأميركي العظيم «وليم جيمس»، بل تجاوزته وكعادة الأفراد عندما ينطلقون خارج الفلسفة، ويقعون في حضن السياسة المجردة من عوامل النمو الفلسفي والفكري، العالم العربي اليومي
يلتقط أثمار ما زرعته تلك الإدارات، وما فرضته من واقع لا يتجانس مع التاريخ والثقافة العربيين، كما أنه لا ينسجم أبداً مع الوجدان العربي الذي علاقته مع الديمقراطية كعلاقة الصحراء بالنخلة.. إنه الانسجام وليس الاقتحام.
المصدر : الاتحاد