بقلم - علي أبو الريش
نحلم لأننا في الأرض عشاق، نحلم لأننا في الحياة فراشات، وجدها مكنون في ثنايا الوردة، وكتابها مفتوح على السماء، والوعي مثل النجمة يضيء للطير صفحات الماء.
نحلم وبعض الأحلام آلام، ألذ من طعم العذوبة في عيني امرأة، شفت مثل أهداب الشمس، وتناسقت مع الصباح، كي تغسل وجدنا، وتنقي وجودنا من درن وشجن.
نحلم والأرض قماشة منقوشة برضاب المحبين، مكتوبة على الجبين، رسماً أزلياً له من السمات ما يدهش، وما يرفع الأسئلة إلى حد الأبدية، وينسجم على وجه القمر خيوط التلاقي والتساقي، واحتمالات التداخل ما بين الفكرة والفكرة، كي تكتمل دورة الوجود من دون قلقلة ولا جلجلة، وكي يحلق الطير بأجنحة التداني ما بين وبين، وفي عمر الأشياء الحلم طريق إلى إدراك ما لا يدرك وتحقيق ذروة الطمأنينة.
نحلم وفي الأحلام تزدان النجوم ببريق البهجة، وتترع الأغصان بعذب النشيد، وتمعن دانة في الأعماق في مد الركب بمزيد من الأشواق، كي تستمر الحياة، ونستمر في بث لواعج اللغة وهمهمات الكلمة، حين تكون الكلمات نجوماً على الشفاه، وتكون الشفاه شواطئ تمتهن الحب معاني ودلالات.
نحلم ويكبر الحلم، يصير أشجاراً وأنهاراً، ومحارات تتفتق عن جملة الحضور في المشهد، متأبطة لهفة الذين كانوا هناك، في زرقة الماء، في غطسة السر المكين.
نحلم وفي الحلم مدارات ومسارات، ونهار يحيك معطف الحياة من رشرشات الموجة، وهمس السواحل، يوم كانت السواحل تكتب قصائد الوالهات في غيبة المسافرين، وغيبوبة الزمان المتدفق سهداً، ووعود لا تفي بموعد ولا عهد.
هذا هو ما جاء به تغريد الطير، حين غادر مجنحاً جانحاً باتجاه الريح، ممتلئاً بالحلم، ملوناً بأشجان الذين عشقوا، وهامت مواويلهم وجداً، واسترسل الوجد فتوناً بالبحر، ورفرفة الأشرعة، وحنان النجمة الغافية عند مشارف الأفق، تهدي السلام لأرض السلام، وتغني للمسافر أغنية العائدين إلى المرافئ، بدموع اللهفة ولهوجة اللقاءات الحميمة، وأشجان ما قبل الولوج في أحلام ما بعد السفر.
نحلم، والكلمات تبدو مثل حصيات على سفح جبل، تنزلق نحو السحيق، كي تعانق وجد الجذور والبذور، كي يستيقظ العالم على ربوة الوعي معشوشبة بالفرح، وأطراف تصافح أطرافاً، والعالم يصفق لأرض عشبها بشر، ووعيها أشجار تسامت، واتسمت بأبهى حلل الإخضرار.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن صحيفة الأتحاد