بقلم : علي ابو الريش
الشخص العدواني كائن انفصل عن الفطرة، وبات معزولاً عن الواقع، وغائباً عن الوعي، لأنه جزأ الوجود، فاجتزأ منه كائناً اسمه (أنا). العدواني شخص عصابي إلى درجة الاحتدام، ما يجعله عدائياً، حانقاً، غاضباً، صاخباً، شاحباً، لا يفرز من جوفه إلا صديد الأفكار السوداوية الحالكة. الطفولة لها دور، والعلاقة مع الآخر لها دور، وفكرة الشخص عن نفسه لها دور، وكل هذه المجاميع التربوية ينشأ عنها شخص مشوه، ينظر إلى العالم بمرآة، كساها الغبار الكثيف. هذا الشخص يشبه إنساناً تربى في غرفة مظلمة، ولم يخرج منها إلا مرة واحدة، في هذه المرة، حكم على العالم على أنه مجرد فراغ لا فيه زرع، ولا ضرع، فعاد إلى غرفته، مكتفياً بمص الأصبع، ندماً على عدمية الوجود. العدواني لا يرى في الآخر غير كتلة من الجحيم، فنراه دائم الشك، والشكوى من اضطهاد الآخرين له، ودائم التبرم من الواقع، فهو حتى لو تعثر بحجر في الطريق فسوف يلقي باللائمة على الآخرين، ويتهمهم، بإلقاء الحجر في طريقه، ليقع، وتجرح قدماه.
هذا العدواني، يتصور العالم بقعة داكنة، لا يرى من خلالها إلا شرارات، تتجه نحوه، وعليه تحاشيها، حتى لا تحرقه، وبالتالي، لابد له أن يحترس، وأن يفكر مئة مرة قبل أن يصافح أحداً، أو يجلس في مجلس، يجتمع فيه الناس. هذه البذور العدائية هي المسافة القريبة جداً من أي شخص، يبني قناعاته على العدوانية التي تتطور، لتصبح كتلة من النار حارقة وغارقة في الاكتواء، ليصير الشخص بعد ذلك مناهضاً للحقيقة، رافضاً الأمل الراكض خلف صور خيالية، وأشباح، وسراب، وخراب، ويباب، ما يجعله نهباً للاوعي يوقعه في مزالق الإرهاب. فكل إرهابي هو عصابي، وكل عصابي هو نتوء نافر في جسد المجتمع، وكل نتوء لا يمكن أن يكون جزءاً من الجسد، بل هو النبتة الفاسدة التي تفسد الزرع كله. الإرهابي لا ينشرح صدره إلا عندما يفتك بالآخر، وكلما زاد عدد الضحايا شعر الإرهابي بسعادة أكثر، لأن قتل الآخر يحيي رميم الأنا المدمرة لديه، وينعش مشاعره السوداوية، التي لا ترفرف أوراقها إلا بوجود سيل من الدماء. هناك شجرة غائرة في أعماق كل إرهابي، هذه الشجرة لا ترتوي إلا بجداول الدم المراق من أجساد الضحايا والأبرياء. الإرهابي لم يعرف الحب في الطفولة، فإذا بالفراغ يمتلئ كرهاً وبغضاً، وتحول هذا البغض، من محيطه الصغير وهو الأسرة، إلى المحيط الأوسع، وهو المجتمع. فالشجرة التي لا تروى بالماء العذب، لا تنتج ثماراً طيبة، والطيور التي تغادرها أمهاتها، قبل تعلمها الطيران، تسقط من الأعشاش أو تلتهمها الضواري. والأسماك التي لا تعرف كيف تستخدم زعانفها تصبح فريسة سهلة للأسماك الكبيرة.
(علموني البكا ما كنت أعرفه ... فليتهم علموني كيف أبتسم).
الدمعة الأولى التي تخرج من عيني الطفل، ولا تجد من يمسحها، تصبح في الغد بحراً من دماء. والصرخة الأولى التي تخرج من فم الطفل، تصير في الغد قنبلة مدوية في وجه المجتمع. إذاً نظفوا الأسرة من فيروسات الجفاف العاطفي تحصدوا رجالاً يعرفون معنى الحب للوطن. الأسرة أولاً.