الذاكرة المثقوبة

الذاكرة المثقوبة

الذاكرة المثقوبة

 صوت الإمارات -

الذاكرة المثقوبة

بقلم - علي ابو الريش

عندما تفقد ذاكرتك، تكون أنت في المنطقة الخاوية، تكون خارج الغلاف الجوي، تكون خارج الجاذبية، التي تأخذك إلى الآخر، ليمنحك الدفء، وتمنحه الصدق.
نتحدث كثيراً عن تنمر الأطفال، ونشكو من عصابهم القهري، ونتألم لعصيانهم المثل العليا التي لا حياة لمجتمع من دونها، ولا أمان، ولا طمأنينة إلا بامتثال الناس للقيم السامية، ولكن الكثير من أولياء الأمور يمتلئون بضجيج داخلي ينسيهم واجباتهم تجاه الأبناء.
عندما ينحرف الأبناء عن جادة الصواب، فلابد أن نبحث عن الوالدين، فالأبناء نتاج تربية، وحصيلة علاقة أبوية، فإن صلحت صلحوا، وأن طلحت باروا، وفشلوا في تناول الثمار الطيبة.
بعض الآباء ابتلوا بذاكرة مثقوبة، ينسون أدوارهم، ويتخلون عن التزاماتهم الأخلاقية تجاه الأنباء، ويتصورن أن دورهم ينتهي لمجرد الإنجاب، وتكديس حزمة من الأفواه التي لا تحتاج إلا إلى الطعام، والشراب، والملبس.
هذا الدور، هو كل ما تقوم به الكائنات غير العاقلة، والتي تعيش في بيئتنا، لأنها كائنات جاءت من بيت الفطرة، وتعيش على الفطرة، وليس لها دور غير غريزة التكاثر. بينما الإنسان جاء ليعمر الأرض، ويلون الحياة بالفرح، فمنح العقل الذي يؤازره، ويعضده، ويميزه عن سائر المخلوقات، وعندما ينحي الناس العقل، ويتيهون في شعاب الحياة وهضابها، بعقل أشبه بالوعاء الفارغ، فإنهم يتناسلون أباً عن جد، ويملؤون الأرض سعاراً غباراً، يجعل وجودهم عبئاً على المجتمع، وما ينتحونه ليس إلا حثالة جاءت من قاع رأس تفرغت من مضمونها.
هذا يحدث في البيوت التي تخرج أطفالاً متنمرين، متمردين، متذمرين، مهشمين وجدانياً، مفرغين من معاني الحب، والانتماء إلى المجتمع. فيا ترى هل يحق لنا أن نلقي باللائمة على طرف آخر، ونبرئ الأسرة لأي سبب من الأسباب. فكل طفل يخرج إلى الحياة، أول شيء يبحث عنه هو الحب، وإذا لم يحصل عليه، يبدأ التلفت يمنة ويسرة، وينتظر من أي أين سيأتي المطر، وفي غالب الأحيان يكون المطر حمضياً، قاتلاً، طالما جاء من خارج حضن الأسرة، وشيئاً فشيئاً، تذبل أوراق القلب ثم تصفر، ثم تصبح عجفاء، بلا قيمة.
فماذا ننتظر من هكذا نبتة، غير الجفاء، والشعواء، والعشواء، والافتراء على الواقع. الإنسان بلا حب، هو كائن مزيف، وعملة مزورة، وأحفورة بائسة، وخرافة لا تذهب بالحياة إلا إلى مهاوي الردى.
إنسان فَقَدَ الحب، فماذا ننتظر منه غير الكراهية والنقمة، وعدم احترام آدمية الغير. إنسان لم يتعرف على الحب، سوف يقتنع أن الحياة ليست إلا موقد نار، يحرق حطب الغابة التي يعيش فيها بشر ذاكرتهم المثقوبة خسرت كل محتواها، وبقيت شكلاً بلا مضمون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذاكرة المثقوبة الذاكرة المثقوبة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 19:32 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 11:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 00:07 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أحدث صيحات حفلات الزفاف في ربيع 2020

GMT 16:16 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مميزة بالملابس المنقطّة تناسب الحجاب

GMT 19:49 2016 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

أبل تقر بمشكلة في هواتف "آي فون 6 إس"

GMT 21:36 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

الشيخ سعود بن صقر القاسمي يستقبل القنصل الكندي

GMT 18:59 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تشجّع النساء على القيام بالأنشطة الرياضية

GMT 21:47 2020 الخميس ,13 شباط / فبراير

موديلات عباية مخصّرة تفضلها النجمات

GMT 08:04 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"نينتندو" تطلق لعبة "Mario Kart Tour" رسمياً لمنصتي "أندرويد" و"iOS"

GMT 02:24 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

9 أسباب تجعلك تشرب حليب القرفة كل ليلة قبل النوم

GMT 19:53 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أسعار الذهب في لبنان اليوم الثلاثاء 3 سبتمبر 2019
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates