بقلم : علي أبو الريش
السعادة ذروة الحياة، ومطلبها الجوهري. عندما يسعى الإنسان إلى الدين، أي دين فإنه يتسلّق الجبل، من أجل الوصول إلى شمعة العسل. الإنسان يتدين، لأنه بحاجة إلى الدين، ولأن الدين هو الجسر المؤدي إلى لذة الحياة.
هناك خوف طبيعي من المجهول، لأن الإنسان عندما ينظر إلى الهالة العظيمة التي تكمن في هذا الكون الفسيح، تحصل المقارنة ما بين الضآلة التي هي في حجم الإنسان، وبين الكتلة الذهلية التي تسكن الكون. فماذا عسى الإنسان أن يفعل؟ إنه يلجأ إلى الدين. الدين وحده الشفيع، المنيع، الرفيع، والوسيع، الذي يضم مشاعر الإنسان، ويحفظها من مخالب الخوف، للإيمان بوجود قوة أعظم، تحمي، وترمي الشرر، بعيداً عن الإنسان. وتبدأ المشكلة عندما يجهل الإنسان معنى الدين، وأهدافه، وقيمه، ومبادئه. في هذه الحالة ينجرف الفرد نحو مسارات، تضر بالدين، وتسيء إلى الإنسان نفسه، وإلى الآخرين. الذي يعتبر الدين واقياً حرارياً، من لظى المجهول، فإنه يتحوّل إلى كائن أناني، يذهب إلى الدين بنفس خائفة، ويختبئ في معطف الدين، ويعتبره، مكاناً آمناً له دون سواه، وبالتالي، فإنه يضرب بيد من حديد، حتى لا ينازعه عليه أحد. وشيئاً فشيئاً، يتحوَّل الدين في عقل المتدين إلى أنا متضخمة، بحيث يصبح الفرد هو الدين، وينتهي الدين في الواقع.
فالمتطرف، والإرهابي لا يأتيان من داخل الدين، وإنما يأتيان من خارجه. هما مثل طفل طلبت منه أمه أن يتعلّم السباحة، فذهب إلى البحر، ووقف عند الشاطئ، وظل يرقب السباحين لفترة ثم عاد إلى المنزل، فرحاً، يبشر أمه بأنه تعلم، وأجاد فنون السباحة. السباحة تمرين وتدريب واستيعاب، وفهم وانغماس في الماء لمعرفة كم هي المسافة التي يجب أن يقطعها الشخص في كل يوم ليصبح سباحاً ماهراً، وما هو العمق الذي يجب ألا يتجاوزه، كي لا يعرض نفسه للغرق. كذلك هو الدين، فهو ليس مجرد اعتقاد بأنك أفضل من غيرك كونك متدينا. وإنما هو إيمان بأن الحياة بلا دين مثل الدم بلا أوكسجين، ولكن لا دين من دون دنيا، ولا دنيا من دون بشر تجمعهم الألفة والمحبّة، والطموح إلى بناء حضارة يستظل تحت خيمتها الناس جميعاً، من دون تصنيف، توظيف، لنوايا أو أفكار مسبقة. الأفكار المسبقة مفسدة للعقل، كما قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو نحن بحاجة إلى الدين، كحاجتنا إلى الماء والهواء، لكنه الدين الذي لا يحمل رواسب ما قبل الدين، إنه دين الله وليس دين البشر، ليس دين العقد والأمراض النفسية، وتراكمات ما قبل التاريخ.