الخير والشر

الخير والشر

الخير والشر

 صوت الإمارات -

الخير والشر

بقلم : علي ابو الريش

يقول شكسبير: ليس هُناك ما هو خير، أو الشر، لكن التفكير به يجعله كذلك. الطبيعة خيرة ومسالمة وجميلة، وتتمتع بالألفة والتضامن. الله يحب الخير ويدعو إليه. إذاً من أين جاء الإنسان بكل هذا الشر، الذي ملأ الكرة الأرضية، وفاض عنها ليصعد إلى خارجها؟

لو نظرنا إلى الأطفال، سنجد في حنايا هؤلاء الصغار قلوباً أشبه بالقطن، ونفوساً مثل الجداول، هم يعيشون الحياة بعفوية الورد ونقاء الشهد، وأحلامهم طيور بأجنحة الغيمة وبياض النجمة. إذاً لم عندما يكبر هؤلاء يصبحون وحوشاً، بمخالب الشر، لماذا؟

هذا السؤال أصبح الشغل الشاغل، للعقل البشري، وبالذات علماء النفس. لأن الأزمة كبيرة، والعقدة أصبحت، شائكة إلى درجة أن الحل بات مثل سحابة تقترب من رؤوس الأشجار ولا تمطر. عندما تتابع حديث شخص مع آخر، أول ما يلفت نظرك هو المقارنة. وتحدث هذه المقارنة دائماً بين شخصين متناقضين ومختلفين في المستوى المعرفي أو المالي أو الاجتماعي. وما إن تبدأ المقارنة حتى تبرز شرارات الغيرة والتي تتحول إلى حقد في حالة العجز التام من الوصول إلى الهدف المنشود، وهو تجاوز الآخر أخذ درجة الامتياز عنه. لم لا تجد هذا الإحساس المريض إلا عند الإنسان. فهو مخزن الاحتقان والأحزان والأشجان. هو المكان الوحيد الذي تتربى فيه هذه الفيروسات القاتلة. فقط لأنه يملك عقلاً والعقل ممتلئ بالأفكار. الأفكار تجلب التاريخ كما تضم مخلفات الماضي. عندما يسجن الإنسان في الماضي، ويخرج من غرفة الحاضر ولا ينظر إلى الحياة إلا بنظارة سوداء لأنه لم يكتفِ بنفسه، بل هو يريد، ما عنده، وما عند غيره، وما عند غيره ليس له.

إذاً كيف يمكن للإنسان أن يهنأ، ويستقر باله، وهو ينظر إلى ما ليس له؟ لا بد أنه سوف يتأبط شراً، وسوف ينمو هذا الشر ليتحول إلى كتلة ألم ضخمة، لا يستطيع التملص منها، بل هي التي تحكم مصيره، وسوف يصبح أداة رخيصة بيد هذه الكتلة، والتي مصدرها الأنا التي انفصلت عن الآخر وظلت تقارن وتميز وتتحيز بانطوائية مزرية ومريبة. عندما تكبر هذه الكتلة وتصبح أكبر من حجم الكينونة، يختفي الإنسان، وتبرز كتلة الألم، ويصير هذا الشخص الذي كان طفلاً بريئاً وعفوياً، إنسان بقلب شيطان. لا يستطيع أن يعيش من غير الشر، بل إنه الشر الذي يمشي على الأرض بهيئة إنسان.

إذاً المقارنة هي العقدة التي جعلت هذا الكائن العفوي، يتحول من منطقة السلام إلى منطقة، هي مزرعة لا تنبت فيها سوى أشجار الحنظل. المرأة تقارن نفسها بحارتها التي تملك ما لا تملكه، والموظف يقارن نفسه بزميله الذي صعد كالبرق في الوظيفة، وأصبح مديراً، بينما هو لا يزال في الدرجات السفلى. الطالب الكسول يقارن نفسه بزميله الذي حاز نسباً عالية في الشهادة الثانوية. وهكذا، تبرز المقارنة، ثم الغيرة، ثم الحسد، من دون معرفة أسباب الفروقات، فينبت الشر، كاشفاً، عن أنياب صفراء، ومخالب أحدَّ من الصقال القواطع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخير والشر الخير والشر



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates