بقلم : علي أبو الريش
في مجموعته القصصية هذه، وفي واقعيته الرمزية، يمضي الشاعر والقاص القدير سلطان العميمي، في تلوين قماشة الحكاية بكلمات، أشبه بخيوط الشمس، المختبئة تحت شرشف غيمة نثيثة، إنه يأخذك بالقص البسيط، وتحسب أنك تمشي على رمال متحركة، فإذا به يستوقفك عند هضبة معشوشبة، حولها غزلان الفكرة، تقضم من سنابل الواقعية بحيث تجد نفسك أمام شخص يحدثك عن قصة حدثت في الواقع، ولكنه لا يريد أن تفلت منه لحظة التشويق، فيلزمك بالإنصات بإمعان، ويجعلك ترافقه إلى قطرة في كأس الدهشة.
في القصة الأولى المعنونة (إشارة لا تلفت الانتباه) في بداية القصة، أي في مقدمتها، تشعر أنك أمام حكاية عادية جداً، ثم وأنت تغوص في السرد، تفاجأ بأن العميمي أوقعك في خدعة بصرية، ودهمك بخاتمة اختبأت في لب الثيمة، حتى برزت في النهاية، لتكون لك سرداً قصصياً، يعبر عن قصدية في ملامسة الموقف الحياتي، ومثل هذه الكتابات لا بد أنها تحتاج إلى تمرين الذاكرة، وتدريبها على اقتناص الفكرة الواقعية، ووضعها في إطار رمزي، وهو من صنوف الأدب المحببة، لأنها تبعد الكاتب عن التقريرية، والمباشرة التي لا تمت لكتابة القصة بصلة.
وفي قصة (هزيمة)، نجد موضوع القصة بسيطاً، وتناوله الكاتب بلغة سردية تلامس الوجدان بأنامل ناعمة، والعاطفة عندما تستدرج لكي تخدم قضية إنسانية تصبح مشعلاً يضيء مناطق واسعة في الروح، والإنسانية في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الخفقات، كي تغسل الكثير من الدماء المراقة في شوارع العروبة.
سلطان العميمي، شاعر قبل أن يكون قاصاً، وعندما يمتزج الشعر بالأدب، فإنه يضيئه، وعندما تقترب القصة من الشعر، فإنها تسكن بيته، وهي محلاة بقلادة موزونة بالذهب وهذا أمر طبيعي، فنحن أمة الشعر، كما أننا أمة الحكاية المجندلة بأحلام التاريخ، المطوقة بتضاريس المكان القديم. في القصة (آخر الأحياء) هنا الكلمة مختزلة برمزية مكثفة، وأعتقد أن هذه القصة جاءت لدى العميمي وهو في حالة تجلي وجداني لم تخل من انهماك في عزلة الموقف، وما يكمن فيه من نظرة بعيدة إلى ما وراء الحالة الوجدانية.
قصة (حياة) هذه قصة حياة، ووجود، وموقف حاد، وصارم من تكاملية الوجود، وتداخل الفناء مع الوجود، في حلقة توازن بيئي، مشمولة ببعض شذرات من علم التكوين الجبلي للأشياء.
هذه القصة في حذ ذاتها، تحتاج إلى كتاب ينغمس في تفاصيلها، بل هي أهم ما قرأته في المجموعة، لأنها تحمل عمقاً فلسفياً، وعندما تدخل الفلسفة بيت القص، فإنها تعمره بسعة الأفق وقوة الدلالة وعمق المعنى، وهذا هو الدور المنوط بالأدب.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد