بقلم : علي أبو الريش
في العيد تهطل الذكريات على القلب مثل حبات الكرز، تلتقطها حبة، حبة، بعضها ذبل بفعل الزمن وغبار الأيام، وبعضها لم يزل بلون القلب، نابضاً بالحياة مرفرفاً، مهفهفاً، نازفاً عازفاً غارفاً من أيامك، مثلما تغفل الوارس على الشطآن الطارفة بالوجد.
في العيد، تقف أمام المرآة، وتتأمل هضاب الزمن، ووديانه وسيوله، وجريان الشموع التي ذبلت، والمصابيح التي انطفأت والشراشف التي بهتت، والعشب الذي تكاسل، والأغصان التي أهملتها لانشغالك في ترتيب أحداث التاريخ.
في العيد، تبدو الأدراج التي أودعت فيها رسائلك القديمة، مثل كهوف تشمّعت بخيوط الزمن، وتراكم عليها الغبار، وأنت ما زلت تتذكر أحبة وأصدقاء تستدعي وجوهاً لم تزل شاخصة تقرأ قسمات وجهك الذي غادر نخوة الشباب ولم يبق من النظرات غير بقايا بريق، كأنه الضوء القادم من معطف غيمة شاحبة.
في العيد، تأتيك التفاصيل التي خبأتها في معطف القلب، كأنها قطرات الضباب في ليلة صيفية قائضة، تحاول أن تمسح زجاجة القلب، تحاول أن تنشف الملوحة من فوق الأوراق الصفراء، ولكن شيئاً ما يستولي عليك ويتم القبض على لحظتك الآنية، فتعود الأشياء كما كانت، وكأنك أول مخلوق يندلق من رحم الوجود، كأنك فرخ الطير يكسر قشر بيضته، ليباغت العالم بميلاد مشاكس. كأنك زمن جديد، يعطي للعالم كي يهذب أخلاق الأرض والنجوم والكواكب.
في العيد، لا تبدو أنت الذي كنت، بل أنت هم الذين خربشوا على صفحة الأحلام، حتى صارت سبورة القلب رمادية إلى درجة العدم.
في العيد، تقابلهم ولكن لا يعرفونك، تشيع بعض نظرات ساهمة، ولكن الفراغ الوسيع يبتلع شهقتك، والسماء تبدو مثل منخل قديم، تخر منه تالفات الأيام، تحاول أن تستعيد نفسك، وتقفل عائداً إلى نفسك، لكنك تجد كل شيء قد اختطفته اللحظة الراهنة، تدبر.
. وتدبر ثم تجد نفسك عند حافة نافذة مكسورة، تطل من خلالها لكنك لا ترى شيئاً غير المدى، لا ترى شيئاً غير جزيرة مقفرة.. وسنابك أعشاب تلتوي على زمنك، تحتويك، تشعر بالألم، تشعر أنك بحاجة إلى الصوم، كي لا تفطر على بصلة اللقاءات الباهتة، تشعر أن العالم ينضوي في زجاجة عطر فارغة، وكأس شاي، يضم حثالته، ويختلس نظرات حيرى إلى الشفاه التي لم تزل ناشفة مثل محارم ورقية، أتلفها الاستعمال غير الحضاري.
في العيد أنت وحدك الذي لم يقبلك الصباح، بابتسامة مشرقة، لأنك لم تزل تعيش في الماضي.