الحب في زمن كورونا 7

الحب في زمن كورونا (7)

الحب في زمن كورونا (7)

 صوت الإمارات -

الحب في زمن كورونا 7

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

تناهى إلى سمعه صوت سيارة إسعاف تمر بالقرب من منزله. ارتجف قلبه وكأنه ورقة ذابلة، وهبّت عاصفة الخوف تهز جسده الواهن. حاول أن يتحرّى الأمر ويستنطق الزقاق الذي مرّت من خلاله سيارة الإسعاف، ولكنه تقاعس في اللحظة الأخيرة لشعوره بارتجاج مفاصل ركبتيه، اللتين تعانيان من داء الروماتيزم المزمن. لكنه لم ييأس، فرفع الهاتف الأرضي، واتصل بأحد الأقارب ليستطلع الأمر، فاستدل من قريب أن أحد الشباب من أبناء الجيران قد نقل إلى المستشفى مصاباً بـ«كورونا».
بهت الرجل، واشتعلت حرائق الخوف في رأسه، وراح ينادي بصوت وئيد، ويعلو صوته في أرجاء الجدران التي أحاطت به كسياج السجون، وانطلق محذراً كل من في البيت بوضع الكمامات، ولبس القفازات، والحرص على غسل اليدين بالماء والصابون، وعدم الاختلاط مع الغرباء، وحتى الأصدقاء.
في اليوم التالي يحاول أن يصف لزوجته وأبنائه المكابدة التي يواجهها المصابون بالجائحة، ويشرح لهم كيف هي الأحوال في المستشفيات، وكيف تعاني الفرق الطبية، وهي تبذل كل ما بوسعها لمساعدة المرضى، والعمل على شفائهم. كان الجميع ينصتون لحديثه كمدرس مادة الفيزياء وهو يلوح بيديه، ويقطب حاجبيه، ويغضن جبينه ويتأفف، ويتأوه، ويضغط على مخارج ألفاظه.
بعد أيام يتلقى الرجل نبأ وفاة أحد أصدقاء الطفولة إثر إصابته الخطيرة بالمرض. لم يتمكن من المشاركة في تشييع الجنازة، ولم يحظ بالنظرة الأخيرة، على صديق الأيام الخوالي.
في غرفة النوم، فتح الرجل درج مكتبه وأخرج ألبوم الصور، وراح يفتّش عن صورة لصديقه، وبعد تقليب عدة صفحات عثر على صورة شخصية لصديقه، مع مجموعة من رفاق الصبا، انتزع الصورة من تحت ورقة بلاستيكية كانت ملصقة على الصورة، وظلّ يتأمل الصورة، بعض الأصدقاء رحلوا منذ زمن وبعضهم لا زالوا على قيد الحياة، ولكن الظروف رهنتهم لانشغالات أسرية بالغة التعقيد.
كان الصديق في الصورة في عمر لا يتجاوز العشرين سنة، وكان حاسر الرأس يرتدي قميصاً قطنياً، وبنطالاً طويلاً، أسود اللون. تذكر الرجل هذه المناسبة، حيث كان الصديق مع مجموعة الأصدقاء، يحضرون حفلاً مدرسياً، تقيمه المدرسة كل عام احتفاء بيوم المعلم.
سقطت دمعة على الورقة القديمة الصفراء، وابتل وجه الصديق، أحس الرجل أنه ربما أراد بطريقة لا شعورية أن يغسل وجه الصديق بماء العينين. ورغم الحزن، فقد تهلّل وجهه بأشعة ضوئية هطلت من مكان ما من القلب، أو من الكون.
جثا الرجل على الأرض، وراح يرتب الصور في ألبوم الصور، وهو يتخيّل مدى ما يقاسيه المرء وهو يشعر أن لقاء الأصدقاء أصبح من الأمنيات التي لا تتحقق إلا بشق الأنفس في الأيام العادية، فما بالك بهذا الوقت العصيب؟! أخذ نفساً عميقاً، ثم مسح دمعته المتزحلقة على وجنتين عظميتين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحب في زمن كورونا 7 الحب في زمن كورونا 7



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates