بقلم : علي أبو الريش
العادة ضمير فاسد، لا يصحو إلا عندما يكون بين الرثاثة، نلاحظ ذلك في سعي الإنسان الرتيب إلى تكريس حزمة من الأفعال خارج الوعي، وينضم إلى مجموعة من الموجات المتراكمة عند شطآن لا حدود لقواقعها الميتة، ونحن اليوم في عصر العمى الشعوري، نجد الإنسان الثانوي هو تلك العجلة المستديرة حول نفسها من دون هدف، بل هو مثل المروحة التي يطوح بها الهوى على غير هدى، ومن دون غاية محددة، الأمر الذي يحول هذه المروحة إلى مزق، بفعل الدوران العشوائي.
العادة كثيراً ما تأخذ صاحبها إلى الهوى، والهوى هو غاية الشخص اللاواعي، المأخوذ بفعل الإرادة المستلبة، عادة الاستهلاك مثلاً، تغرق الفرد في سلبيات لا نهاية لها، وقد تغوص به في مأزق الاستدانة، والاستدارة حول نفسه في مصارف العبث اللانهائية، ما يجعل الفرد يحط في دهاليز المحاكمات والسجون، والتي لا تنتهي أسوارها مهما اتسعت لدى الفرد من مشاعر الإدانة والتقريع والنبذ والتوبيخ، لأن العادة أقوى من تأنيب الضمير، بل وأقوى من عذابات الأسوار العالية، لأن في العادة قبر للضمير، وفي العادة موت محقق لروح أصبحت مثل أحفورة قرون بدائية.
اليوم أضحت العادة مراناً يومياً، تمارسه نفس المعتاد على الشخص، ولا يجد ما يبرر تكرارها، وكذلك إيجاد الحل لها، لأنه عندما تستعبد العادة المرء، فهو يمضي إلى تكرار أخطائه، بيقين أعمى، وبصيرة خبأت وعيها في صندوق أسود، مغلق بأقفال فولاذية، لا يفكها الشديد القوي.
أسر تضيع، ومصائر تهدر وعلاقات اجتماعية تتفكك، وتضاعف مستوى حالات الطلاق، بسبب العادة التي تأخذ بعض الأشخاص بعيداً عن منطق التعامل مع شأن الحياة، بعدالة ضمير واع، وإرادة صلبة، وعزيمة متماسكة، لأن العادة إن وجدت لها قناة مرور عبر النفس، فإنها تصبح مثل الورم الخبيث، لا علاج له إلا بالبتر، أو يصبح متفشياً متوغلاً متغلغلاً، متوحشاً، متمكناً من روح الإنسان ولبه.
ليس هناك شرف في العادة، ولا ميثاق، ولا عدل، ولا ميزان، ولا أخلاق، ولا قيم، بل هناك الحالة الفنائية للذات، وعدمية الرؤى، وعبثية السلوك، فالعادة تحول الشخص البالغ إلى طفل، وأحياناً إلى بهيمة الأَنْعَام، يقوم الشخص بتصرفاته، من دون وازع ولا رادع ولا مانع، لأنه لا يملك قدرة الكبح لما يفعله، إنه شخص مستَلب، مغلوب على أمره، واقع في منزلق الإرادة المغلولة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد