مراهقة متأخرة

مراهقة متأخرة

مراهقة متأخرة

 صوت الإمارات -

مراهقة متأخرة

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

هذا أو تلك يعيشان مراهقة متأخرة، وينشدان واقعاً غير الواقع، ويذهبان بقلبيهما نحو مجرى الماء دون أن يحسبا مدى وحشية الجدول عندما تكون الأمطار غزيرة، والسيول جارفة.
هذه، وذاك يحاولان اختطاف اللحظة بمخلب الفحولة المزيفة يمضيان في الحياة كفراشتين وهميتين. أسطورة الرجوع إلى الخلف، والعودة إلى الماضي، واقتطاف وردة من بستان أعجف، هي خرافة بشرية، تراكمت عبر التاريخ، بصورة جدلية عقيمة وسمجة.
هذا وتلك أرادا أن يديرا عقرب الساعة، إلى الوراء، لعلَّ وعسى أن تشرق الشمس مرة ثانية، وتعود الطيور إلى الشجرة، بعد أن فرت من قسورة روماتيزم المفاصل وضغط الدم، وانثناء الأعواد الجافة.
هذا وتلك أرادا أن يعيدا الميت إلى الحياة، فشيدا له نعشاً من رخام الصور الخيالية المبهرة.
هذا وتلك غرقا في بحيرة أفكارها اسماك نافقة وزعانفها مجاديف قارب فارق الخدمة منذ زمن عاد وثمود، ومنذ أن عكف غاندي على صورته في الماء، وقال إن الحياة مثل الصورة في النهر، تصفو إذا صفا، وتخبو إذا تلوث.
هذا وتلك عكفا على صورة اختبأت تحت رمال كثيفة منذ أن غادر الصبا مكانه، وذهب إلى اللاشيء، ولكنهما ما يزالان يركعان، ويسجدان لحالة فائتة، وقد تراكم عليها الغبار، واستعرت بنيران ألم فوات الأوان.
هذا وتلك مثل خرافة تطير بأجنحة ازدهر فيها الجهل وترعرع فيها وعي أشبه بنخالة القمح، أشبه بحثالة القهوة العربية.
هذا وتلك خرجا من الحياة بفكرة أن العمر يمضي، وتنطفئ أضواؤه ولكن القلب يبقى مثل محارة مفتوحة على أعماق البحار، تنتظر كائنها الحي يعود أدراجه ليختبئ في الحضن الدافئ.
هذا وتلك لا يزالان في حلم الطفولة، مثل أعمى تسربت إليه صورة موئله من تحت جفنين معتمين ولكنه لم يفقد الأمل في الوصول. إنهما في صلب الأمل، ولكن عندما يصبح الأمل مجرد قصاصة ورقية، تطير في الهواء فلا قيمة له، ولا معنى للطيران خلف أوراق تشبه الطائرات ولكنها ليست طائرات.
هذا وتلك مثل الميت السريري يعيش على التنفس الصناعي، ويخفق قلبه ولكنه ليس قلبه، أنه قلب الجهاز المعلق فوق رأسه، إنه مصادفة الحياة، مع حتمية الموت المؤجلة.
هذا وتلك يعيشان حياة التأجيل، ورغم كل ذلك، فهما يجلبان الربيع في فصل الخريف، ولون الورد الباهت بابتسامة تخرج من بين شفتين ذابلتين، وبريق معفر بغبار الريح الصرصر.
هذا وتلك يحملان راية النصر في غضون هزيمة منكرة، هدمت أواصر الحياة، في جسدين منهكين بفعل اللهاث خلف ظل شجرة محاصرة برمضاء السنين العجاف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراهقة متأخرة مراهقة متأخرة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates