أمهات الزمن الجميل

أمهات الزمن الجميل

أمهات الزمن الجميل

 صوت الإمارات -

أمهات الزمن الجميل

بقلم : علي أبو الريش

عند كل شروق شمس تمد يديها إلى موقد النار، لتشعل دفء الصباحات بحليب الحياة، وتضم الأجساد الصغيرة بيدين أرهف من ورق اللوز، وأرق من سلسبيل الماء، وأحنى من ظل السامقات اليافعات الباسقات المتحدرات من أبدية التاريخ.

كنّ في الأرض أشجاراً وارفة باخضرار الأفئدة، كن في الحياة رفيق حلم، كن تحت السقف سجادات من مخمل العذوبة، كن في الليل حمامات تلم تحت أجنحتها فراخ التغاريد، كن في السهر أناشيد الفرح، كن في الهزيع نافلات الصلوات الأخيرة، كن في الشفع والوتر أدعية ترتفع إلى المولى، بشفاعة وضراعة وخشوع، وكان الصغار أوراق تين وزيتون ورمان، تهفهف بين يدي الضارعات المحتسبات للبارئ عز وجل.

في الزمن الجميل، ما كانت يد تمتد لصغير، تكفكف دموعه سوى الأم الرؤوم، وما كانت يد تسقي أو تطعم سواها، سيدة الوجه الحشيم، موردة بابتسامة الحلم، والحلم والناي الحليم، يعزم لحن الخلود على شفتين مبللتين بندى الشفافية، والحياة مرسومة على بريق عينين لامعتين بالحب، وتفاني القلب الكبير.

في الزمن الجميل، كانت هي وحدها تقف على عتبة باب العودة، في انتظار الفلذات، متى ترفل بابتسامة الطفولة، وتهجع في مخادع الألفة، وشرشف الانتماء إلى أم تحنو، وأب يلطف، وأخ كبير يعطف.

في الزمن الجميل، كان ثوب الأم الشفيف، يفيض بعطر الوفاء، ويزخر بلون الأجنحة السابحة في ثنايا الكون، وكانت هي النهار الذي يفضي إلى بياض المراحل المبجلة، وكانت الغيمة على رؤوس الأشهاد، ترخي ظلالاً من ندى، وتزف بشرى الأيام المقبلة بفم عذب، ناهل من نبوغ السلالات النبيلة، يدها على رأس الصغير، ووجهه في جوف النهر، تسقيه من نبع المروج، وتلتهمه قوة المعنى وعزيمة البوح، وصلابة النهوض إلى مسعى لا يرخيه، ولا يثبط به إرادة، لأنه من نسل لا يلقي بالفراخ خارج العش، ولا يتخلى مسؤولية، فالكل في البيت شجيرات تظلل بعضها بعضاً، وترسم الاخضرار بساتين حياة وحقول ازدهار، الأم في الجوهر، مدرسة وكتاب مفتوح، والمقرئون يتلون آيات العبر، والمثال والدرس يتلى في حضور العاشقين للاستتباب، ومن دون غياب أو استلاب، إنها الأم التي تدير مؤتمر الحياة بمكانة ورزانة وأمانة وقدرة فائقة على الإمساك بإبرة الحياكة، وسف خيط الأحلام في قماشة الأسرة، ليصبح البيت سجادة من حرير التلاقي، وموجة تغسل الشغاف من كل ما يكدر ويسدر.

هكذا هي كانت، وكيف أصبحت، وما بين زمنين تغيب شمس وتعتنق الأم مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان».  
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمهات الزمن الجميل أمهات الزمن الجميل



GMT 15:12 2020 الجمعة ,21 آب / أغسطس

براكة... بركة الطاقة

GMT 16:04 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رواد بيننا

GMT 13:12 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

بحيرة جنيف تغتسل بالبرودة

GMT 18:55 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الكل مسافر

GMT 20:26 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ساعات معلقة فوق الغيم

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates