بقلم : علي أبو الريش
تأمل ذاتك، راقبها لكي تعرفها، يقولون لك يجب أن تحب الآخرين، فهذه الخدعة الأولى التي يوقعونك فيها، فمن لا يحب ذاته كيف له أن يحب الآخرين، وفاقد الشيء لا يعطيه. عندما يكره الإنسان ذاته، فإنه سيكره الآخرين، حب الذات بداية إلقاء الحجر في الماء، والموجات الصغيرة التي تكبر حول نفسها، ثم تبدأ في الاتساع هي نفسها التي تعطيك القدرة على الوصول إلى الشواطئ. المنظرون، والمفكرون وبعض رجال الدين، يحاصرونك بمفاهيم مغلوطة، ويزرعون فيك الدونية، وهذه بداية
كره الذات، ثم تنتقل إلى كراهية الآخرين. كل ما تعانيه البشرية هو هذا العقل المزيف، والمشحون بالمعرفة المشوهة، وعندما يصبح العقل الملوث بالقيم الزائفة هو البوصلة التي تأخذك إلى العالم، فإنه يدخلك في العتمة، إنه يسحبك إلى عوالم سوداوية مريبة وبائسة. يجب أن تحب نفسك، وأن تعليها عن رواسب الواقع، وتذهب بها إلى حيث تكمن الحقيقة، والحقيقة راسخة في الحب السامي الذي لا تربطه بحب الجسد. فأنت تعيش في سلام مع نفسك، ومع الآخرين عندما لا تشعر بالقلق، وأنت لا تقلق عندما تحب من غير شروط، وتحب من غير شروط عندما تتخلص من التوقعات. الحب الحقيقي، لا ينتظر شيئاً ما من الخارج؛ لأنه حب داخلي بحت، هو حب الفطرة، الذي لم تتدخل في شأنه التعاليم التي جاء بها الآخرون، من ثنايا التاريخ، هذا التاريخ بصفته وريث صناع الأنانية، فالذين يقولون لك تخلص من ذاتك، هم يريدونك أن تبدو بلا روح؛ لأن الحب الحقيقي منغمس في الروح، والروح كائن سماوي، كما هو الجسد مخلوق أرضي.
نحن
نحتاج إلى الذات أن تكون خالصة نقية صافية، متعافية من درن التبعية الجسدية، ونحن نحتاج إلى الحب الذي يغذي الروح؛ لتصبح هذه الروح من
دون شوائب ولا عواقب، فالعقل بكل ما لديه من عبقرية إبداعية، فإنه بعبقريته هذه يتلبس المكر والدهاء لأجل أن يخضعك لواقعك المشوب بالكثير من اللغط والغلط والشطط، وأحياناً للانعطاف. لو تخيلنا الإنسانية من دون هذا اللهاث نحو الخارج، لو تخيلنا الإنسانية عاكفة على بناء الحب الذاتي، لو تخيلنا الإنسانية، لو كل هذا حدث من دون تزلف وتخلف وتكلف وتأفف، لو تخفف الإنسان من زيفه واعتنى بذاته، لانتهت الكراهية من العالم، وانتفت الحروب، بل إن الإنسان من غير كراهية لن يحتاج إلى الحروب.
الذين يقتلون الناس اليوم تحت مختلف الذرائع الدينية، إنما هم أناس لا يحبون
ذواتهم، هؤلاء انبروا مثل الصخرة التي تقع من فوق قمة الجبل، فإنها تصطدم بالصخور الأخرى وتحطمها، كما تتحطم هي لكي تنزل وتقع في الحضيض.