من النافذة يطل عليك قمر كبير

من النافذة يطل عليك قمر كبير

من النافذة يطل عليك قمر كبير

 صوت الإمارات -

من النافذة يطل عليك قمر كبير

بقلم -علي ابو الريش

من فندق لوزان بالاس، ومن خلال نافذة أشبه بمرآة أسطورية، تطل أنت القادم من لهفتك على العالم، والعالم يهديك بقعة ضوء، كأنها قرص الشمس.

تقف وضجيج الصمت من حولك يطوقك بالسكينة، ويجعلك تحلق بأجنحة أشواقك القديمة، تحدق في الفراغ اللامتناهي، فيباغتك السحر، والطبيعة لم تزل تمارس قراءة صحن «المحو»، وتكتب بالزعفران آيات جمالها، وما تفتق عن فطرتها المبدعة.

من النافذة يطل عليك البحر، ليمد لك شراع السفر، تمتطي أنت صهوة شغفك، وتسافر، تصل إلى المدينة المضاءة بأشواق الشجر، وحلم الغيمة، وبهجة المطر، ثم يأخذك الوجد لوجود على قمة الجبل، وتذهب برعاية مشاعر أصبحت مثل قلادات تطوقك بالفرح، وتمنحك حب الحياة، وتهبك الاستمرار في تلاوة ما يجيش في صدر الطبيعة الخلابة.

أنترلاكن، مثل قارة يسكنها كائن خرافي اسمه الثلج، هذا الأبيض الساحر، يجعلك تمحو سنوات من عمرك، لم تكن إلا غباراً من الكبوات، هذا الأبيض يلتصق على جدار روحك، فتبدو مثل شاشة سينمائية، تتوالى فيها الصور القديمة، متهاوية مثل الأوراق الصفراء، وتبدو أنت مثل شجرة الصنوبر تتحرر من أوراقها الصفراء، لتستقبل ربيعها بأوراق نضرة، ندية.

أضواء بلون الذهب يعكسها الماء لتصل إلى غابات الجبل، وبدوره يرفعها إلى السماء، لتلقن السحابة معنى العناق الأزلي وأنت تتابع المشهد، وترسم صورتك الجديدة على صفحات الوجود، وتحلم مع السحابة كيف يتكون المطر عندما تصبح القطرات مثل القبلات دافئة وحنونة ورقيقة وأنيقة مثل أناقة الصنوبر المحفوف بأنامل الذين يحتفون بالحياة، وكأنها ميلاد جديد لنجمة تلمع عند خد السماء.

عند ذلك تتيقن من أن الفرح البشري يبدأ من هنا، من هذه البقعة المخملية من العالم، من هذه الخريطة الكونية التي أنجبت أعظم الفلاسفة في عصر التنوير الأوروبي، عصر الانعتاق من زخرفة الأفاقين، وأساطين الخداع البصرية.

تنزل من قمة الجبل ومعك تهبط ذاكرة لولبية، مكسوة بأشجان كائن بشري يتخلق من جديد كلما عاصر ومضة الجمال في وجه من وجوه الطبيعة، كائن لا يحلو له غير أن يكون في صلب الوجود، ومعه تكمن حقيقة أن حب الجمال هو إبداع في حد ذاته، وأن أجمل ما في الوجود أن تكون خارج عقلك، وفي صلب الكينونة، عندها تكون أنت البشري المتكون من جديد.

وبعد الرحلة السرمدية، يتراءى لك أن الكون بدأ من هنا من رقعة أنترلاكن، من جبالها الفتية، وصنوبرها الذي يصنع منازل الناس، ويحيطهم بالدفء، ويملأهم بالسكينة، ويلون ملاءات نومهم بنعومة الليل البهيم.

وتعود إلى موئلك وأنت مفعم برائحة الورد، وعطر النساء البديهيات، واللاتي يحتشمن بأولوية الفطرة، وينسجمن مع الطير في روحه الشفافة، وتغاريده العفوية، والزمن يغرقك بالأسئلة كأنه رجل أكاديمي لا يعرف من الحياة غير الأيديولوجيا المغلفة باللغة المقعرة، وكلما تقعرت كلما هربت إلى براءتك التي هي منغمسة في ثنايا البقع البريئة من هذا العالم.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من النافذة يطل عليك قمر كبير من النافذة يطل عليك قمر كبير



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates