بقلم -علي أبو الريش
شكراً صاحب السمو حاكم الثقافة، تجليت فأكرمت، فأنعمت، فأمعنت في سرد الحكاية، ونسجت من قماشة غيمة باريس الباردة حرير التلاقي، والتساقي، ولونت أحلام عشاق الكلمة بالفرح، كما استدعيت التاريخ كي يفصح عن ثنايا الطموح الإنساني في فتح النوافذ، كي تتداخل القارات الكبرى وتتواصل، وتمنح الحياة زهرات البياض، وتمضي ركاب الخير محملة بزاد المعرفة، وتفيض حباً وانتماءً للآخر، من دون رواسب، أو شوائب، أو خرائب، أو عواقب، أو نواكب أو مصائب.
والكواكب تضيء بمعية نجمها، وأنت نجمها، وسر حلمها، أنت الشعاع الذي دلنا على قوس النصر في باريس، ونهر السين حارس يغسل أجنحة الطير ليبدو شفافاً مثل لغتك، مثل هامتك، مثل قيمك، مثل رؤيتك، مثل أحلامك التي ترعرعت على أشجان الفاتحين الكبار، واتشحت بندى ما جاءت به نبوءة جان جاك روسو «لا شيء أحب إلى النفس من الفضيلة، لكن لا يحبها إلا من تحلى بها».
شكراً سيدي صاحب السمو، شكراً لأنك عززت الحب في قلوبنا، عندما عززت معنى الكلمة، وأعطيتها أجنحة التحليق، وغرست في نفوسنا مقولة سارتر «إن حريتي الملموسة تتطلب أنني عند الاختيار، يجب أن أختار حريات الآخرين» ورويت في قلوبنا شجرة البير كامو، وهو يفوه قائلاً «قد يكون من المخزي أن يكون المرء سعيداً بمفرده» كما سموت بنا عندما وضعت للكلمة مداراً، في فلكه تدور معارفنا، وفي دورته تدور حدقاتنا.
شكراً سيدي، فإذا كان الألماني العظيم مارتن هايدجر، قال «إن الإنسان راعي الوجود»، فأنت سيدي راعي الثقافة، وبجدارة، وأنت تذهب بأخلاق الإبداع نحو الانفتاح على التجربة، واتخاذ اللغة طريقنا إلى تحديد وجودنا، وتعزيزه، وتكريسه، والانغماس في معانيه، ودلالاته. وهذه هي مسؤولية الكلمة، إنها مثل الحياة إن لم نمتعها بالاهتمام نخسرها، ونفقد وجودنا والمسؤولية مثل الحرية موجودة في كل مكان.
شكراً سيدي، فكما أسقطت الثورة الفرنسية في العام 1789م حصن الباستيل، فأنت أسقطت حواجز التاريخ، وبلغت بالأحلام مبلغ قوس النصر، ومددت للمدى صوت الإنسان كما هو نهر النيل الممتد على صهوة التاريخ منذ الأزل، وهو الأبدي كما هي الكلمة الصادقة، كما هي أحلام الناس النجباء، كما هي ثقافة باريس المفتوحة على العالم، مثل شمس الإمارات، مثل صحرائها، مثل قادتها العظام.
نقلا عن الاتحاد