مفسدة

مفسدة

مفسدة

 صوت الإمارات -

مفسدة

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

الأفكار المسبقة مفسدة للعقل. هكذا قالها روسو، لأننا نتعامل دائماً مع الآخرين على أساس أفكارنا عنهم، والتي استقيناها من ذاكرة مثقوبة، لا تبقي إلا على حثالة الصور، والمشاهد، والذكريات، وأضغاث الأحلام.

نحن نتعامل مع الآخر بناء على الصورة المتخيلة عن هؤلاء الأشخاص، وبالتالي نقيمهم، ونضع لهم الدرجات الدنيا، لأننا سمعنا هذا الشخص أو قرأنا على وجهه ما نحن نفكر فيه وليس ما هو عليه من واقع سلوكي.
أفكارنا المسبقة تقودنا إلى حروب ضروس ندمر فيها أخضر العلاقة، ويابسها، ولا ندع للضمير ما يسفر عنه، ويخطه على ألسنتنا أو أسماعنا أو أبصارنا.
تقام الحروب بين الأشخاص، وتشعل الحرائق، فقط لمجرد أنهم اختطفوا الصورة الوهمية عن شخص أو أكثر، وبالتالي تصبح العلاقة مثلما هي العلاقة بين الريح الصرصر والأغصان.
عندما يغيب الوعي، ويصبح مثل مستنقع، فإنه لا يحتوي إلا حثالة الأفكار، ونفايات ما قبل التاريخ، يصبح الوعي مثل منفى إجباري، يضم القتلة والمجرمين والمنفيين الذين يشكلون خطراً على المجموع.
نحن في الفكرة المسبقة، نجمع كل الأعواد اليابسة، ونحرقها في موقد وجدان ملتهب، بحمرات الكراهية، ولا ندع مجالاً لتأمل اللوحة عن بعد، وتقصي جمالها، نحن في الأفكار المسبقة، نكون مثل التلميذ الفاشل، لا نقرأ أسئلة الامتحان، بقدر ما نسابق الريح، للتخلص من السويعات التي نكون فيها تحت وطأة المعلومات المبهمة، وبالسرعة ذاتها نخرج بخفي حنين، ونعود أدراجنا بلا معنى، ولا محتوى، ولا نتيجة إيجابية.
نحن في الأفكار المسبقة ننطح صخرة الوجود، برؤوس خاوية، فنتفجر مثل بالونات خاوية، ونذهب إلى العالم بكفوف مليئة بالفراغ.
نحن في الأفكار المسبقة نمشي على الماء، ونسبح على الكثيب، ونمضغ لبان إفلاسنا، ونجتر حشائش أفكارنا اليابسة.
الماضي له بريقه، وله رونقه، وله جاذبيته التي تسحبنا نحوها مثلما تفعل الموجة التي تحمل في طياتها الزبد، وبقايا عظام أسماك نافقة.
الماضي رهيب في قدرته على أسرنا، ولكن من يبقى أسير الماضي، وأفكاره المسبقة، يخسر ما للحاضر من واقعيته، وأحقيته، في تحقيق وجودنا، وتأثيث وجداننا بالنقاء والصفاء.
فلنكن في الحاضر، ولنمش على ترابه، حتى لا تضيع بنا السبل، ونحن نبحث في أزقة قديمة اختفت في أرجائها الأفاعي.
لنكن في الحاضر، إنه الأجمل، وإنه الأنقى، وإنه الثوب الجديد الذي لم يلحقه دنس الأفكار المسبقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفسدة مفسدة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates