بقلم : علي أبو الريش
المتشائمون يضعون الحصى في القنوات النفسية؛ ليمنعوا مرور الماء إلى الأشجار. المحبطون يقفون عند الشاطئ ويقولون البحيرة عميقة، ويصرخون في وجوه الناس؛ ليمنعوهم من خوض التجربة. نقول: لا أحد ينكر أن حال العالم العربي ليس بالسهل، وأن ما يجري من تقطيع أوصال وتفتيت، إنما هو بؤس مرحلة، ولكن هذه الأمة مهما خسرت تظل في التاريخ نموذج الرسوخ والشموخ، ولم يفعل الفاعلون في الوطن العربي أكثر مما فعله إرهاب المغول، الذي حوَّل فرات العراق إلى نهر من دم، وأحرق المكتبات ودمر الممتلكات، ورغم كل ذلك، قامت بغداد وقام العرب من تحت الركام، ليصبحوا جمرة في التاريخ، وصخرة في الجغرافيا.
اليوم يحدث ما حدث سالفاً، وضحايا الإرهاب ومن يدعمه كثر، ولكن هناك في الأفق يبدو الضوء قادماً، ويسلط نهاره على القلوب والعقول، ولم يعد مجالاً لناكر بأن ينشز أو يعجز أو يلكز، فالشمس أعلنت المجيء، بعد أن رفعت عن وجهها خمار الخجل والجفول.
نعم يجب ألا نقنط، ولا نسقط في وحل اليأس والبؤس، وألا نذهب بالعقل إلى مناطق سوداوية دامسة عابسة، وأن نؤمن أن الحقائق قد تتأخر، ولكنها لابد وأن تكشف عن نفسها، لأن الكذب مثل الفقاعة، يتورم ويكبر ثم ينفجر، ويتحول إلى لا شيء.
اليوم الكذابون ينتشرون في كل مكان مثل الجراد، ولكن هذا لا يعني أن أعمارهم أطول من التاريخ، ولا يعني أنهم امتلكوا زمام الحركة الصيرورية في الكون، بل هناك حقيقة واحدة، وهي أن ما بني على باطل فهو باطل، وأن الإرهاب ما هو إلا خدعة بصرية أشبه بأفلام الفانتازيا، وسوف تنطفئ ألسنتها النارية مهما بلغت من عتو، وبالغت في البطش؛ لأن الحياة أقوى من الموت، وهي هكذا السليقة؛ ولأن الحياة هي الأقوى، فسوف نعبر ونكسر القيد، بإرادة الأوفياء والمنتمين إلى وعيهم وعزيمتهم وقدرتهم على تجاوز المحن بقوارب الأحلام الزاهية، وأشرعة الفكر المضاء بوعي لا يقبل الزيف ولا الحيف، وعي يقول الإنسان هنا، فلنمضِ إلى الحياة مشرقين متألقين محتفلين بالإنسان كإنجاز جوهري، أثرى الوجود بوجوده، وبنى الحضارة عندما تخلص من الكهنوتية والتزمّت والتعنت، وعندما انعتق من أصفاد الوهم ولامس شغاف العلم، ليفتح معابر الحياة بالحقائق وليس بالأكاذيب.
سنعبر رغم العواصف والنواسف والكواسف، وسنعبر؛ لأننا نحب الحياة، ونعشق القصيدة التي لا تحمل هنات الحزن التاريخي، ولا زلات الطبول الجوفاء، ولا شعارات ويافطات التنزيلات في كل شيء حتى في المبادئ والقيم الإنسانية. سنعبر لأننا لا نلتفت إلى الوراء، ولأننا نرتدي معاطف تحمينا من برودة المواقف الضعيفة.
نقلا عن الاتحاد