خيانة الماضي

خيانة الماضي

خيانة الماضي

 صوت الإمارات -

خيانة الماضي

بقلم : علي أبو الريش

عندما يفكر الإنسان في التحول من الماضي إلى المستقبل، متجاوزاً الحاضر، وبسرعة البرق، فإنه يفعل ذلك كمن يمشي على الحبل، لينتقل من مبنى شاهق إلى مبنى آخر.

ويكون بذلك على حافة الخطر. ما بين المبنيين، هوة عميقة، السقوط فيها يعني الهلاك المحقق، والموت المحتوم. الآن وفي لحظة القفز، من مرحلة إلى أخرى، يتم فيها حرق المراحل، التي يتلوها، تهشيم الذات، المبنية أساساً على تراكم خبرات ومعارف وعادات، وفي القفزة المباغتة تتبعثر تلك الكتل القابضة على الروح، ويصبح الإنسان، بلا كيان أو أنه يصير، مثل خيمة صغيرة، عصفت بها الريح، وتناثرت أعمدتها، وأصبحت أشلاء.

الماضي قد يبدو أثاثاً قديماً في عين الجيل الجديد، وقد لا يعنيه أي شيء لم يعشه، ولكن في واقع الأمر لا يمكن للفرد مهما صغر سنه، ولم يعش ماضي غيره من الآباء، لكن هذا الماضي، ليس قطعة قماش، بالية من السهل الاستغناء عنها، بل هو جزء لا يتجزأ من حياة هو كامن في النفس، ويشكل البعد الروحي للأفراد، حتى الذين لم يعيشوه، لأنه ما من شخص جاء من الفراغ، ولا أحد بدأ من الصفر، بل إن حياة الناس، هي مثل سلسلة مكونة من حبات متتالية، والاستغناء عن إحداها، يعني انفلات الحبات الأخرى، وضياع السلسلة. الماضي قاعدة البناء الشخصي،

وتجاوزه يعني هدم الجدران، وبقاء البيت مفتوحاً، وبلا جدران، الأمر الذي يعرضه لخطر الاختراق والانتهاك وغزو العيون المتربصة، وانكشاف ما بداخله، بمعنى أنه يصبح عارياً وسهلاً لدخول الغبار، والحشرات الضارة. ما يحدث في العالم هو هذا التفكيك، لمسامير الألواح التي تكون القارب، الأمر الذي يحوله إلى أشلاء، أو فعل ماضٍ، لا يمكن الرجوع إليه. هذا التفكيك هو ما جعل الحياة شبه سائلة، أي مثل المجرى المائي، الذي لا ضفاف له، وبالتالي، يضيع الماء، ويهدر، ويذهب بعيداً عن الحقل، فلا تستفيد منه الأشجار. النظرة إلى المستقبل، تصبح من العبث، إذا لم يحدد الإنسان الهدف، وإذا لم يضع قدميه على أرض الماضي الصلبة، لينطلق بثبات وثقة، وصرامة، وحزم، وجزم، ومعرفة لما يريد، ووعي بمقدمات المستقبل، وجوهر الحاضر.

الجيل الحديث، وقع في فخ الإبهار، والصدمة الحضارية التي أفقدته القدرة على الإمساك باللحظة، ما جعل الزمن يتسرب من بين مقلتيه، مثل فنجان القهوة المسكوب من يد متوترة، فقد بدا الزمن يسير على طرقات وعرة، وأزقة مزدحمة، فلا يوجد ما يفصلها ليحدد الماشي مكانه المراد الوصول إليه، وهنا تضيع البوصلة، وتختفي المعالم، ويتلاشى الهدف، ويصبح الفرد، يمشي فقط، ولا يدري إلى أين، وبعد حين، يجد نفسه وسط الفراغ الذي يقذف به في اللامنتمي، ومن هذه النقطة يخرج الحلم من باب خيمته ليدخل الوهم. ونحن في الوهم، نصبح بلا ملامح، بل وجوهنا، تبدو مثل مرايا مكسورة، وأرواحنا مخطوفة، وقلوبنا مسكونة بالألق، لأنه لا شيء يجذبنا، ولا شيء نحبه حتى نسعى إليه، بل كل ما نفعله هو الوقوف عند المحطات، ليس للتأمل، بل للتأهب للانتقال إلى محطات أخرى، فنحن في حالة الصدمة، مثل الأشخاص المفلسين، نجدهم يقفون أمام فاترينات المحلات الراقية ليس لانتقاء ما يودون شراءه، بل لإقناع أنفسهم، أنهم رأوا، بديلاً ما، يستطيعون مجاراة الآخرين في معرفته، كما أن المشاهدة المتكررة تغني المفلس عن الامتلاك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيانة الماضي خيانة الماضي



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates