بقلم : علي أبو الريش
أشعر بالحزن والأسى عندما أجد شخصاً ما يفتح باب سيارته ويلقي بكيس قمامة على الأرض ثم يولي الأدبار، غير مبال بما اقترفته يداه، لا مسؤولية ذاتية لديه حيال ما سيخلفه هذا الفعل من أعباء مادية ومعنوية على البلد.
الحقيقة أن بعض الأشخاص لا يزالون يحملون ثقافات ما قبل الوعي بأهمية أن تكون مدننا أنيقة ومرتبة، لذلك نجدهم بعدما يجترون شطائر الشاورما أو الفلافل أو غيرها يلقون بهذه المخلفات على الأرض، على الرغم من أن البلدية لم تترك مكاناً إلا ووضعت فيه مكباً للنفايات حفاظاً على نظافة مدننا، ولكن للأسف الشديد المهملين يتجاوزون حدود المنطق، فتنطق أيديهم الملوثة بالعشوائية والغوغائية والعبثية والعدمية يتصرفون وكأنهم جاؤوا من غياهب عصور جاهلية.
وأتساءل.. ماذا يعني هذا التصرف؟ أليست مثل هذه السلوكيات الشاذة تعبر عن مشاعر مغشية بالارتباك وعدم الانسجام مع المكان؟
أليست هذه التصرفات دليلاً مباشراً على أن الأشخاص غير مؤمنين بشيء اسمه حب المكان الذي تعيش فيه، سواء كنت مواطناً أو وافداً، فالمسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتقك تفرض عليك أن تحترم الأرض التي تسير عليها قدماك، وأن تقدر ما يقدم من أجلك من خدمات تفوق التصور، ولا توجد في أي بلد في العالم..
هذا التصرف يدل على أن هؤلاء الأشخاص أساؤوا الأدب لأنهم أمنوا العقوبة، هم هكذا لازالوا صغاراً جداً في عقولهم وأفكارهم، فلذلك لا يحد من تصرفاتهم إلا العقاب..
الأسلوب الحضاري يفرض علينا المطالبة بالعقاب للحفاظ على مدننا الحضارية والتي فاقت أكثر مدن العالم تطوراً، فهذه بلادنا وما تم بذله من أجل أن تصبح مثالاً للتطور يستدعي الحفاظ عليه، كإنجاز حضاري نفتخر به ونعتز بالجهود التي أتمت هذا المشروع الحضاري والإنساني الرائع، ولذلك فإن الحفاظ على هذا المنجز يتطلب أن نحاسب كل من يخطئ في التقدير، ونعاقب كل من يتطاول ويتساهل ويتغافل ويعمل دائماً على تشويه الوجه المشرق لبلادنا.
العقاب واجب وطني وأخلاقي وحضاري لكل من يسوف وكل من يفرغ الأشياء من معانيها، وكل من يعتبر رمي الأوساخ جزءاً من «البرستيج» الشخصي، فهذه بلادنا ومن حقنا أن نحافظ عليها من الأخلاق البلاستيكية المنتشرة في الأماكن العامة بفعل فاعل، متجاهلاً كل القيم الإنسانية، ومستهتراً بكل النظم والضوابط، فقط لأنه يفعل ذلك خارج منزله، وبعيداً عن مأواه، وطالما كذلك فلا عليه أن يفعل ما تشتهي، لأنه غير مراقب ولا معاقب، بعض الأشخاص يحتاجون إلى العقاب لأنهم يعيشون طفولة متأخرة بحاجة إلى ترتيب المشاعر وبحاجة إلى تهذيب السلوك.
المصدر : الاتحاد