بقلم : علي أبو الريش
احب نفسك، تحب الآخر، وأنظر إلى المرآة بوجه مشرق، سترى المرآة صافية مثل النهر. تخلص من الكبت، وتحدث بطلاقة، كما هو الطير على غصن الشجرة، ستشعر بالفرح، وسوف تنبت لك أجنحة السعادة، وسوف تذهب إلى الآخر، خفيفاً من دون أغلال. الرواسب التي تسكنك هي الأغلال التي تعرقلك، ولا تجعلك تمشي بخفة الغزال.
الحب وحده يلغي الأجندات التاريخية، ويزيح عن كاهلك كثرة الأسماء والتصنيف والنعوت والحواجز والسدود والصدود. عندما تحب فأنت مثل السمكة في النهر، وأنت مثل الفراشة على أجمة الزهور تذهب إلى العذوبة بسهولة، وتنتقل من عطر إلى آخر ولا تعلق عند قطرة أو ورقة، كل الأمكنة مفتوحة لديك مثل الصحراء واسعة الأرجاء.
احبب زوجتك، احبب ابنك، احبب صديقك، احبب زميلك في العمل، احبب العامل الذي ينظف الشارع، واحبب سائق الأجرة الذي يقلك إلى المكان الذي تذهب إليه، وعندما يتسع حبك تتخلص من الإدانة للآخر، فتتحرر من المعاناة، معاناتك لا تأتي من الخارج، بل مصدرها الداخل، فعندما يكون الداخل مليئاً بالنفايات، تكون أنت ثقيلاً، فلا تستطيع الانتقال من مكان إلى آخر، لا تستطيع التواصل مع الأقربين، فكيف الأبعدين. كن قريباً من نفسك ستكون قريباً من الآخرين، فغربتك عن نفسك تغربك عن الآخرين.
اليوم، كل وسائل الاتصال متوافرة للإنسان، ولكن التواصل صعب، لماذا؟ لأن المسافة الداخلية والطريق بين الإنسان ونفسه شاق وبعيد جداً، الأمر الذي يجعل من الصعب الاندماج مع الآخر. عندما نكون في المستحيل، وعندما تكثر رغباتنا تكون في وسط الزحام، مما يعرقل ذهابنا إلى الخارج، ويكون الخارج مثل المحيط، ونكون نحن مثل السمكة الصغيرة التي تضرب الأمواج زعنفتها الصغيرة، فيصعب عليها عبور المحيط، فتسقط في الأعماق، وتنتهي إلى لا شيء.
إذاً نحن نحتاج إلى الحب كحاجتنا إلى الهواء، وعندما تتسع رئة الحب يدخل إلى الصدر الهواء النقي، فنشعر بالقوة التي تأخذنا إلى الحياة بثقة وثبات، الذين يكرهون هم كثيرو الإدانة للآخر، وهم الذين يختزنون الأحزان، وكلما زادت هذه الأحزان، كلما ازداد الإنسان قتامة حتى يصبح أعمى لا يرى في الحياة غير السواد، وكلما تضاعف اللون الأسود، كلما توقف الإنسان عن المسير، والتوقف هو بداية العزلة، والعزلة هي المكان الذي تتوافر فيه براميل النفايات التي تمنع عنك الرائحة الطيبة.
فكن صافياً قبل أن تذهب إلى الآخر حتى لا يعرقلك الضجيج ويمنع عن سماع الصوت الآخر. فاهتم بالآخر ستدركه، وإذا أدركته ستحبه، وإذا أحببته ستكون أنت وهو في الوجود واحداً، وهذا هو ديدن الحياة، أن نكون جميعاً في الوجود واحداً.نقلا عن الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع