بقلم : علي أبو الريش
اليوم أصبح من السهل على كل مأزوم نفسياً، أو ملغوم فكرياً، أو مثلوم ثقافياً، أن يفتح بوابة أحلامه الوهمية، وأن يشعل حطب جهنم ويبدأ في سرد حكايات خرافية لا هدف لها غير الفرقعة، وإشاعة أخبار خيالية أشبه بزبد البحر، وأصبح العالم مرهوناً لتصرفات أشخاص خرجوا عن سكة القطار، وانحرفوا باتجاه أرصفة تتفيه الأشياء، وتسويف القضايا، وأسر الناس في قفص نكات ولقطات لا معنى لها غير أنها تعبر عن فراغ لا متناهٍ يعيشه هؤلاء الأفراد، فاستغلوا سهولة العثور على بوق ينعقون من خلاله، ويصعقون الناس بمشاهد ساذجة وغبية ومستفزة، وتدعو إلى السخرية والسخط مما حل بعقول البعض، وما دأبت عليه خيالاتهم المريضة. أصبح من السهل الادعاء والافتراء وتشويه الحقائق، وتصوير الواقع على غير ما هو عليه، فقط من أجل تحقيق مآرب شخصية وأغراض ذاتية، وتثبيت قناعات لا تمت بصلة إلى واقع الأمر. فهناك أشخاص لا مهنة لديهم غير النوم على وسادة المواقع الاجتماعية، وجعلها قوتهم وشرابهم، ولا يستطيعون العيش من دون إحداث كذبة أو أكثر في اليوم الواحد، معتبرين ذلك إنجازاً حضارياً يقدمونه للأمة أو للوطن، مع العلم أن كل ما يدور في هذه المواقع ليس إلا فقاعات، تخرج من بواطن النفوس، وأحياناً يتم استغلال هذه المواقع لمناقشة قضايا اجتماعية تخص أفراداً معينين، ويذر على هذه القضايا الكثير من التوابل المسممة، ما يجعل الطرح سلعة فاسدة، تسمم البدن والعقل، ولو سألت أحدهم لماذا تفعل ذلك؟ ولماذا تتصرف على هذه الشاكلة، وأنت تعرف أن مثل هذه الادعاءات باطلة وتضر بمصلحة الوطن وسمعته؟ فيرد قائلاً: هذه حرية شخصية، ولي الحق أن أطرح ما أريد وأتحدث كيفما شئت! مثل هذه العقول، تسيء إلى الحرية، وتشوه الدور المنوط للإعلام، وتخرب العلاقة بين الإنسان والحقائق المتاحة، وتدمر المعنى الجميل الذي تنتمي إليه البلد، ويختلط الحابل بالنابل، وتصبح الأمور مثل صراع المخالب في غابة موحشة.
هذا ما يحدث في المواقع الاجتماعية، بعد أن أصبح كل شخص وسيلة إعلامية مستقلة وذات (شنة ورنة)، ولا يستطيع أحد أن يقاربه أو يقارعه في تفجير المفرقعات، وإشعال الأكاذيب والشكوى من الهواء، لماذا يهب على وجهه، أو يذرف الدموع حزناً، لأن المطر مر بالقرب من منزله، والصراخ، لأن المسؤول الفلاني لم يترك كل مشاغله ليرد على مكالمته.
أقول هذا ترف اجتماعي يجب أن نتخلص منه، وألا ندع المواقع الاجتماعية سهاماً مسمومة في ظهر الواقع، فنحن نعيش أوج حياتنا الذهبية، فلا تفرطوا فيها مقابل تحقيق نزوات ورغبات عابرة.
نقلا عن الاتحاد