بقلم : علي أبو الريش
كأنه الحلم يتساقط على وسائد الأرض، ويرسم صورة سينمائية ملونة بالبياض، والماء،
ينسل من أحشاء الغيمة كشريط حريري يتدلى، كشال على عنق الأرض، هناك في الوديان المحتفلة بقوافل الزخات العذبة. ترى ما يراه الحالم في المنام، وهذه السفوح تنسكب ماء فراتاً يغسل جفاء السنين، ويرخي وشاحاً من لدن حكيم عليم.
الناس هنا في كتف الرمال الذهبية، تمتلئ صدورهم بالبهجة مثلما هي الكثبان، والضحكات تمتزج مع صوت أبواق السحب، وهي تسكب رحيقها وتضعه في أفواه الوديان، والماء يمضي إلى حيث اللا نهائي، حيث تستتب حبات الثلج مزخرفة الوجود ببصيص اللمعان الجميل.
كل الناس، الصغار، والكبار، النساء والرجال، كانوا في قلب المشهد الاحتفالي البهيج، كانوا في قلب المحيط، كانوا عند شغاف الغيمة، كانوا على مقربة من الأنهار الجديدة، هو ميلاد للنبت، وهو انبلاج لحياة الغافة النبيلة، وهو انعتاق من أصفاد صيف، وهي قلائد ترصع على نحر التراب الحبيب وأساور وأقراط وخلاخيل تجلجل على مخمل الأرض، فهذا المطر قد حل ضيفاً على بيوت الشجر، فاستقبلته الأرض الشهباء بالسرور والحبور، وأعدت له البخور من أنفاس العشاق الذين توافدوا من كل حدب وصوب مجللين بالفرح، مكللين بالأماني، وقد اخضرت قلوبهم بعشب السعادة، وتنامت أشجار الانتماء في عيون الصغار، وهم يحضنون الثلج، ململمين بقايا صياحهم الصباحي في حقيبة اللحظة اللذيذة مصدحين مع الطير في غناء أسطوري يكتبه التاريخ بحبر من مطر، وتسطر أقدامهم الصغيرة على التراب أعظم ملحمة إنسانية، وتحت شرشف البرودة تبدو الشفاه الدقيقة، مثل خيوط قماشة ملساء، هؤلاء الصغار تختلط براءتهم مع عفوية المطر مع شفافية الثلج، ويصبح المثلث منسوجاً من أضلاع الرهافة الربانية، ومن نسق أحلام الناس العشاق.
تحت الثلج، تتدفأ الأفئدة بالبرودة، والملاءة غيمة من قطن السماء، والرمل يخفق باللقاء التاريخي، ويصفق الغصن ويهتف الطير في عناق بديهي لم يسبقه موعد، فالغيمة التي جاءت من الغياهب، وانعطفت على جمع غفير من التلال الرملية، وجدت ضالتها في المكان، فهجعت وأدمعت شهداً، وسالت من أعطافها منابع الخير حتى فاضت الوديان وأفضت إلى القلوب مهنئة أهل الإمارات أهل الوفاء والعطاء.
في هذه الليلة وبعد أن اتشحت السماء بشالها الأبيض، بدت الأرض مثل كائن عملاق وقف في عراء الكون ليستحم ويبلل ريقه من عذوبة السخاء السماوي، ويغسل العروق بالمطر.
في هذه الليلة، كان المطر مثل فصوص الفرائد، مثل مفردات لغة بالغة الجمال، مثل تغريدة تملأ الفضاء بشدو يرتب وجدان الناس، ويهذب مشاعرهم، ويشذب المعنى في الجملة الحسية.