بقلم : علي أبو الريش
تشتاق إلى تغيير نفسك لتصبح في العالم فرداً متسامياً كما قال نيتشه، تحاول أن تخرج من جلباب حالة طفولية رافقتك منذ أمد، وامتدت أذرعها حتى بلغت مثل أغصان شجرة سدر عتيقة، لا هي منتهية إلى زوال، ولا هي منتعشة بالحياة، ولكنك مع الإصرار والعزيمة، يبدو لك أن (إرادة القوة) تنظر بعيداً حيناً، فتشعر بالسعادة كونك جئت بالعود الأبدي بثمرة لوز جددت لك حياتك، وابتعثتك من جديد، وَلَكِن كي تشعر بالنتيجة القصوى المفرحة، والتي تعزز سعادتك الكبرى، فأنت تحتاج إلى محيطك الأسري أن يبلغ هذا التسامي بالتحول من المنطقة السوداوية إلى منطقة البياض، ولكنك عندما تقترب من المجموع تصطدم بجدران سميكة يصعب عليك اختراقها فهناك كائن جبار يسكن بعض النفوس يتعذر عليك أن تجد القاسم المشترك بينك والآخر القريب، فتصاب بالنكسة، وتخيب آمالك في دخول المستنقع، كونه تلوث بأنواع تورمت إلى حد الانتفاخ السرطاني، ولا مجال لاختراق الورم المتأزم بأفكار لا حدود لها، بل إن محيطها أصبح بلا شطآن، والأمواج فيه تغرق حتى لو عبرته أعظم حاملات الطائرات في العالم.
ماذا تفعل وأنت في عرض المحيط وحيتان النفوس غير المطمئنة تنتابك بالحيرة والعجب العجاب، وبأسباب خذلانك ترتد ناكصاً إلى عالمك السحري، إلى فردانيتك المأزومة، إلى جزيرتك المدججة بالأسئلة الحارقة، تحترق أنت وغيرك يشد لجام هرولته إلى اللاشيء، تشعر بندى خواء هذا العالم عندما يتناغم من حولك مع وسائل التواصل اللااجتماعي، ويذهب عنك بعيداً في هستيريا مدمنة على الغياب عن الواقع، مستمرئة حال اللاوعي، حيث تحصر اللجاجة، والفجاجة، وتموت شجرة الوعي في أتون أنثيالات اللامعنى، وتبرز في الوجود غيمة داكنة تحجب الرؤيا، ولا تبدو الأرض سوى كرة بليارد تتدحرج على مخملها الأخضر إلى غير هدى، ولا ترى نفسك سوى طفل صغير يعبث بأفكاره مثلما تلعب القطط الصغيرة في قطعة قماش بالية وإن حاولت التنبه إلى المحيط، تجده كما هو في حالة التبختر على شطآن واهية ومرة أخرى تعود خائباً، تبحث عن أسئلتك الوجودية، التي أصبحت فعلاً ماضياً في آخر الجملة الإنسانية، المنتهك مبدأها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد