بقلم : علي أبو الريش
ما يحدث في إيران نتمناه، رغم بشاعته، وبشاعة السلوك المقابل له. إيران دولة جارة وتربطها مع أبناء المنطقة، علاقة في صميم التاريخ، والجغرافيا، ولكن ما حدث منذ اندلاع الثورة الخمينية، منذ 1979، كان أشبه، بانفلاق محارة الوجود، عن كائن متشبث بالعدمية، إلى درجة الفجيعة، فاليوم العالم أجمع يقر أنه لابد من تغيير أيديولوجي في هذا البلد الكبير والمؤثر فيما حوله، وفي محيطه، لئلا تخرج عشرات الملايين من النفوس من فوهة البركان، وتتنفس الهواء الطلق بعد عقود من الزمن، وضيق التنفس يخنق رئة البشر، والشجر، والحجر.
نعرف أن هذه الانتفاضة الشعبية، سوف تزهق خلالها أرواح، وتسيل دماء لأبرياء، وهذا ما لا نتمناه لشعب مغلوب على أمره، ولكن هذا شر لابد منه لأن إيران بلد مهم، ووقوعه، تحت سطوة الغيمة السوداء، والحزن المؤبد، يبعده كثيراً، عن مرمى بصر الحضارة الإنسانية، ويجعله مثل طائر فقد سربه، وتاه في عراء الكون المبهم، والمزري والمهيب، ما يجعل الشعب الإيراني، يغيب، لعقود من الزمن عن مسيرة التقدم الإنساني لتبقى مجموعة من القابضين على الخناق، والمتربصين في الزقاق، هم الذين يضعون مصير الملايين في قوقعة فارغة من رمق الحياة، ويذهبون بالأمل إلى وديان مقفرة لا فيها عشب، ولا خصب، بل هي مجرد شعارات، جوفاء، مملوءة بالهواء الفاسد، وغبار، وزبد، وحثالة ما قذفه التاريخ من عصور مضت، وأصبحت مثل الصدأ على باب حديدي قديم.
نتمنى من هذه الثورة أن تستمر، وأن تعمر، البيت الإيراني، بمصابيح الحقيقة، والإرادة الصلبة، والعزيمة القوية، رغم إحساسنا بالغبن، جراء ما لاقاه الشرفاء من المحتجين من قتل، وتنكيل، ولكن الحياة لا تضاء إلا بقناديل الحقيقة، والحقيقة تكمن في أن ينجلي ليل إيران، وتعود المصابيح المطفأة إلى حيويتها الطبيعية، وأن تعود الثروات إلى جيوب الأبناء ليهنأ الفقراء، بخيرات بلادهم، وهي كثيرة، والتي ذهبت عبثا، إلى مناطق فيها يحرق خطب الفتن، والنزاعات، والحروب، تحت ذرائع، وحجج واهية لا صلة لها بالمنطق، ولا علاقة لها بواقع الحال.
إيران ليست أميركا، ولا روسيا، ولا حتى الصين، إيران ليست دولة عظمى، كي تمد الأذرع إلى ما هو خارج الحدود، بادعاء، حماية الأمن القومي، أو المصالح المشتركة ، مصلحة إيران وقوتها بالعودة إلى رشدها، والاتكاء على حضن محيطها الخليجي بود وتقاسم المصالح، دون مكابرة، وتعالٍ، ورحم الله من عرف قدر نفسه، وإيران، بحجمها التاريخي، ستظل هكذا، ومهما فعلت، وتجاسرت، فلن تعبر بها الطائفية إلا إلى طريق مسدود، ونهايته التفكك، والاضمحلال ، وهذا هو حال كل دولة تنظر إلى الأعلى، دون محاذرة الواقع، فلابد أنها ستقع، قبل أن توقع غيرها.