بقلم : علي ابو الريش
نملك من القدرات ما لا يعد ولا يحصى من النصائح والمواعظ، عندما تعرض علينا مشكلة، أو نشاهد من يقع في مشكلة، ولدينا العلوم والتخصصات كافة، وحتى الشخص الجاهل يقف متوجساً عندما يمر غيره بمشكلة، ويرفع سبابته معترضاً على هذا وموبخاً ذاك، نجده يفهم في كل فنون الحياة، يفهم في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء، علم الفلك، يفهم في الصيد والفلاحة، وحتى في خياطة الملابس والطبخ والكنس. نحن مستعدون في تقديم الاستشارات والخبرات، ولا نفهم كلمة لا أعرف.
في قاموس البشرية، تبدو «اللا أعرف» عيباً من عيوب الشخصية التي تربت على الإدلاء في كل المواقع والمواقف والأحيان والأزمان، بينما لو أبدى شخص ما ملاحظة أو رأياً، في شأن من شؤوننا، فسوف نمتعض وننتفض ونعترض، وتهتز الأرض من تحت أقدامنا، وترتج الجبال وتميد الجدران من حولنا، معتبرين ذلك عملاً من أعمال الشيطان.
عندما يبدي شخص ما رأياً يخص عملاً لنا أو سلوكاً ما، فإن ذلك يجلب علينا شعوراً بالنقص والإحساس بالدونية، فيجعلنا مثل حشرة قص ذيلها، فنبدأ الدوران حول أنفسنا وعيوننا شاخصة، وأبداننا مرتجفة، وقلوبنا واجفة، وعقولنا فائرة، وأرواحنا حائرة، ولا جدوى من تقديم الأعذار لنا وطلب المغفرة، لأن ما يحدث أدار عقارب الساعة إلى أزمنة غابرة، أعادنا إلى عصور المخالب الكاسرة، والتي لا يكسرها مر ولا علقم.
نحن مستعدون أن نقدم أنفسنا محللين ومفسرين وباحثين ومفكرين، ودارسين في كل قضايا الدنيا، وكل كائن فينا، فهو موسوعي إلى درجة تضيق بِنَا المجلدات والصحائف والكتب، فإذن كيف يمكن للعالم بالأسرار أن يصغي أو يرى إلا نفسه؟.
هذا هو ما تجود به قريحة الإنسان في أي مكان، ولا وجود لأحلام الفلاسفة وعباقرة التاريخ من موقع في قلب إنسان هو نتيجة للخطيئة الكبرى، وهو من تدبير أنا لم تزل تلعق دماء إخفاقاتها التاريخية، وتدب على الأرض كخنفساء الروث، تبحث عن إشباعها في قمامة النهايات القصوى، لا وجود للأحلام الزاهية، فيعرف أنا بشرية لم تزل تهيم في أتون أضغاث الأحلام، وتدور حول نفسها في الدائرة الضيقة.
الإنسانية بحاجة إلى لحظة توقف، قد تستغرق أزمنة، لتحل فيها عقدة «كيف نخرج من الدوائر، لنصل إلى الأنهار، ونكنس نفايات التاريخ عن وجوهنا، ونمنح الأشجار فرصة التألق».
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد