بقلم : علي أبو الريش
يجب أن يفهم الأبناء أن الذي صنع مجد الإمارات ليس النفط، وإنما هو ذلك الإنسان الذي وقف مع الإنسان في مختلف الظروف، يعضده في المحن، يسانده ويثبت خطاه في ساعة العثرات، وهو ذلك الإنسان الذي شارك أخيه في أفراحه وأيّده ونصره.
الذي وضع الإمارات في مقلة الكون رموشاً تظلل مخلوقات الله، هو ذلك الإنسان الذي أسعد الجار، وأبعد الضرر عن كل مظلوم، وأفدى نفسه من أجل أن يعيش الناس جميعاً في أمن وطمأنينة، وهناء العيش، وصفاء الحياة.
الذي جعل الإمارات قامة فوق القمم، هو إيمان الإنسان بالقيم الدينية الحقيقية، من دون زيف أو حيف، والتضحية بالغالي والنفيس، من أجل أن تظل راية العز مرفوعة وشامخة وراسخة.
الذي جعل الإمارات غنية ليس ما لديها من ثروة مادية، فكل دول العالم غنية، ولا دولة فقيرة، ولكن غنى الإمارات هو غنى النفوس الأبيّة التي سخرت المال من أجل صناعة جيل يقتدي بمثل الآباء الذين نحتوا في الصخر، ليشيدوا بيت الكرامة، وحفروا في الأرض ليزرعوا نخلة الأمل، وحرثوا في البحر ليغنموا لقمة النقاء.
يجب أن يفهم الأبناء، أن ما هم فيه من ثراء الحياة، هو نتيجة ذلك الإرث النبيل الذي كرّسه الأولون في تآخيهم وتوادهم وتراحمهم واستبسالهم، من أجل حرية الوطن وعزه ونصره، على كل وغد وطامع ومراوغ ومداهن وتاجر، وشعارات ومصطلحات فراغية ومفاهيم غوغائية.
الذي صنع امتياز الإمارات، هو ذلك الإنسان الحر الذي لم يخضع لأي معتد أثيم، ولا نمام زنيم، ولا أفّاق لئيم، ولا بياع كلام رجيم.
الإمارات، هي هكذا بنيت من ديموقراطية الصحراء، ومن سخاء النخلة، وظل الغافة، وحلم النوارس، وفكرة الرجال الأنقياء الذين صنعوا ديموقراطيتهم من فطرة القلب، ومن فطنة العقل، ومن شفافية الروح، هؤلاء هم الذين كانوا مع الإنسان الصغير والكبير، على أرض واحدة، يلهمونه الحب فيعطيهم الولاء، ويمنحونه الانتماء فيعطيهم الوفاء.
الكل مع الكل، والدرب واحد، والهدف واحد، والأمنيات والطموحات والتطلعات واحدة، لأن القلوب على بعضها، والنفوس أنهار تتدفق بالصدق، وتسقي الجذور بأعذب ما جادت به غيمة السماء من صفاء.
يجب أن يفهم الأبناء عفوية الأولين، وشفافية جداولهم، هي التي سمقت بأشجارنا ورفعت هاماتنا، ونسقت مشاعرنا، ورتبت أواصرنا، وهذبت نواصينا، وشذبت قيمنا. يجب أن يفهم الأبناء أن ديموقراطيتنا هي من هذا النهل، من ذلك الشراع الذي امتد بالسواعد السمر، وتلك جدران السعف التي شد أوتادها رجال من هذا التراب، وتلك الصحراء التي نحتت رمالها من أثر أقدام الذين عشقوا ضوء الشمس.