ثقافة اللامبالاة

ثقافة اللامبالاة

ثقافة اللامبالاة

 صوت الإمارات -

ثقافة اللامبالاة

بقلم : علي أبو الريش

تذهب إلى الصحراء، تقلب البصر يمنة ويسرة، فتجد الأمراض النفسية تتمشى على الأرض الكثيبة مثل وحوش مسعورة، ويتجلى لك هذا الوباء الخطير من خلال بقايا ما خلفته الأيدي وما بعثرته من نفايات وفضلات الليالي الحمراء. كلما مررت من طرف الشارع، وشاهدت ألسن النيران المشتعلة بين الحشود، شعرت بالألم لأنني على يقين من أن الصباح الباكر سوف يشهد مقبرة موحشة للمخلفات، وأن لا أحد سيعاني من هذا السلوك اللا حضاري إلا من يحملون على أكتافهم الأرزاء والأنواء، ويلهثون باحثين عن ملاذ القذارات التي تركها اللامبالون، وذهبوا يمتطون سلواهم، ويسردون عن مشاعر الغبطة والسرور التي تملأ قلوبهم، إثر سهرة مجللة بالمتعة، وسط الأحبة والأصدقاء.

أجل كم هو جميل أن يعيش الناس في سعادة في أجواء البلد الاستثنائية، وكم هو رائع أن يخرج الناس من ضجيج الانشغالات اليومية، ولكن الأجمل والأنبل والأكمل، أن يعي كل واحد معنى النظافة، وقيمة الاهتمام بأناقة صحراء البلد، وأن يعي أن الوطنية والانتماء يبدآن من السلوك القويم، ومن أولويات هذا السلوك، بألا نكون أنانيين، وألا نخص المتعة لأنفسنا، ونترك الطوفان لمن يأتي من بعدنا.

لو فكر كل شخص من أن كل علبة فارغة أو زجاجة تالفة، تكلف عامل النظافة جهداً مضاعفاً لجهوده اليومية، وهو يلف الشوارع والأرصفة، ليطهر المكان من سلوكياتنا النافرة، ويغسل حياتنا بعرقه، لو فكرنا بهذا الإنسان وما يبذله من تعب وسغب، واعتبرنا أنفسنا مكانه، لما أسرفت بعض النفوس بكل هذه الجبال الهائلة، من مخلفات ليلة واحدة، ومن متعة أنانية تقصم ظهر من يأتون من بعدهم ليزيحوا عن كاهل الأرض كل هذا الركام والزكام والازدحام من الأوساخ. كما أن من يفعل ذلك إنما يقوم بتشويه متعمد لوجه البلد وسمعة البلد والمشهد الجميل للبلد، وهذا يدل على سوء الخلق ورداءة التفكير ودناءة الثقافة وفساد الضمير، وضمور الوعي الوطني، وضآلة الإحساس بأهمية أن تظل بلادنا جميلة، وضرورة المحافظة على منجزاتها الطبيعية، وثرواتها التي حباها الله. الإهمال في ترك كيس بلاستيكي واحد قد يودي بحياة كائن حي عندما يلتهمه، وترك علبة مشروب غازي، قد تصبح بعد حين كومة علب، هذه الكومة تصبح كثباناً من الأوساخ التي يتحمل عبأها عمال النظافة، والدولة التي تصرف الأموال الطائلة، لأجل أن تصبح بلادنا حديقة غناء، لا تؤمها إلا البلابل، أما الغربان فلا مكان لها إلا في مستنقعات القذارة.

حقيقة مهما كتبنا في مثل هذا الموضوع، فلن نتمكن من الانتصار على موتى الضمير، لأن هؤلاء باتوا يشكلون مرضاً عضالاً، وخطواتهم الثقيلة على أرض الصحراء مرهقة ومضنية، ولا بد من جهد إعلامي مكثف ومدروس، لكشف النقاب عن الأسباب الجوهرية لمثل هكذا ثقافة مؤذية للجمال، وتكاد تكون مهيمنة في مواسم محددة، ونود من علماء النفس واختصاصيي علم الاجتماع، تقديم المساعدة في حل وعلاج مثل هذه الظواهر التي لم تكن من شيم أهل البلد.

نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة اللامبالاة ثقافة اللامبالاة



GMT 15:12 2020 الجمعة ,21 آب / أغسطس

براكة... بركة الطاقة

GMT 16:04 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رواد بيننا

GMT 13:12 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

بحيرة جنيف تغتسل بالبرودة

GMT 18:55 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الكل مسافر

GMT 20:26 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ساعات معلقة فوق الغيم

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates